2/27/2013

لغة الدردشة ظاهرة تستحق التوعية

لغة الدردشة

ظاهرة تستحق التوعية

محمد أنس سرميني


يُقصَد بلغة الدردشة - وسمِّيت لغةً تجوُّزًا -: اللغة التي انتشرت انتشار النار في الهشيم بين الشبان العرب، والتي صارت لغتهم التي يَستخدِمونها في برامج التواصل الاجتماعي والدردشة في الشابكة، وهي ظاهرة حديثة، تعدُّ امتدادًا لدعوة كتابة العربية بالعامية المختلطة بالأجنبية وبالأحرف اللاتينية، ومن أسمائها "لغة الإنترنت" أو "لغة الشات" أو "الفرانكو أراب"، وهي لغة هجينَة مُكوَّنة مِن كلمات عربية عامية، وأخرى إنكليزية، مكتوبة بأحرف إنكليزية وأرقامٍ تعبر عن أصوات عربية لا وجود لها في الإنكليزية.

عرَّفتها موسوعة "ويكيبيديا" بأنها أبجدية مُستحدَثة غير رسمية، ظهرت منذ بضع سنوات، أصبحت تُستخدم على نطاق واسع بين الشبان في الكتابة عبر برامج الدردشة على الإنترنت في المنطقة العربية، وتُنطق هذه اللغة مثل العربية تمامًا، إلا أن الأحرف المستخدمة في الكتابة هي الأحرف والأرقام اللاتينية بطريقة تُشبه الشَّفرة.

والرموز المقصودة من الأرقام هي الأحرف الآتية: (2:أ)، (3:ع)، (5:خ)، (6:ط)، (7:ح)، (8:غ)[1].

وتشير الإحصائيات إلى أن هذه اللغة قد أفرزت إلى الآن مئات المدونات الشخصية والنصوص الأدبية والنثرية المكتوبة بها[2]، ويُسوِّغ الشبان اعتمادَهم على هذه اللغة بأنها أصبحت شائعةً ومستعملةً في صفحات الشابكة ومفهومةً من القراء، وأن كثيرًا من أنظمة تشغيل الحواسب ومتصفَّحات الشبكة لا تدعم استعمال اللغة العربية؛ لأسباب تقنيَّة أو جغرافية، وهذا يعود بمسؤولية التعريب إلى الشركات التقنية العربية ومهندسي الحواسيب والمعلوماتية.

وحقيقة الأمر أن المشكلة مرتبطة بأمرَين أكثر عمقًا، هما كون اللغة الإنكليزية اليوم هي اللغة الأولى في مواقع الشبكة العنكبوتية وبرامج الحاسب، وأنها لغة العلم والثقافة، فهذا قضى بأن يكون استعمال الشبان الحرف اللاتيني أكثر مِن استعمالهم الحرف العربي، وهي مرتبطة أيضًا بأزمة الهُوية العربية والإسلامية عند الشبان، وبحجَّة التقارب بين الحضارات الغربية والشرقية والعربية، لاسيما أن أول ظهورها في البلاد العربية كان بين طلاب المدارس الأجنبية الذين لا يُتقنون الإنكليزية ولا العربية، فوجدوا فيها بديلاً عن الإنكليزية التي لم يتمكَّنوا من إتقان قواعدها وأساليبها، فاستكانوا إلى أَحرُفِها فحسب، والمؤسف أن هذه اللغة الهجينة هي أسهل عند بعض الطلاب العرب مِن العربية؛ إذ وجدتُ - مِن خلال تجربتي مع الطلاب - مَن يكتب دروسه وملاحظاته، ويقدِّم امتحاناته بهذه اللغة، وكلُّه على حساب لغتهم الأصلية، وهي اللغة العربية.

ولا تعدو هذه اللغة كونها "تقليعةً شبابيةً"، استغلَّتْها بعض وسائل الإعلام الداعمة للعاميات والتغريب، ووظَّفت لها أهدافًا تجاريةً أيضًا؛ من خلال إعادة نشر أعمال أدبية عربية بهذه اللغة دون احترام لحُقوق كاتبيها، ولن تستمر هذه اللغة؛ لأنها ولدت تَحمل معها بذور انكماشها؛ فقد انتشرت بلا قواعد تَضبِطها، وارتبطت إلى حدٍّ كبير بالطبَقة المُترَفة في المجتمعات العربية، خلافًا للطبقات الأخرى التي تمثِّل أغلبية المجتمع العربي، وقد قامت حملات توعية في الشابكة ضدَّ هذه المُسَخ؛ منها: "اكتب عربي"، "كفاية فرانكو.. اكتب عربي"، "استرجل واكتب عربي"، فالرجولة في هذا السياق تعني: التمسُّك بالهوية[3].

ولم تنل هذه الظاهرة حقَّها من الدراسة إلا في بعض المقالات العامة، ولم تُفرَد لعلاجها بحوثٌ علمية جادة، وزاد الأمر سوءًا أن انتقلت هذه الظاهرة إلى الإعلام المرئي، فصارت بعض البرامج الترفيهيَّة والدينية ذات الجمهور الشبابي تخطُّ عناوينها وأسماء القائمين عليها بهذه الأحرف[4]، وهذا مؤشر سيئ جدًّا؛ لأنه يرسخ هذه الظاهرة بين الشبان، ويَنقلها من الإعلام الإلكتروني إلى الإعلام المرئي ذي الجمهور الأوسع، ولأنه يَشي بعدم تنبُّه الإعلاميِّين إلى خطورة انتشار هذه الظاهرة وشيوعها بين الشبان، وما تَحمله مِن معاوِل لهدم العربية وأَحرُفها وفصاحتها.

ويحزُّ في النفس أن تطَّلع على مدوَّنات الشبان وصفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، فتراها مكتوبة بأحرف لاتينية، وأرجو أن يتنبَّه الإعلاميُّون واللُّغويُّون إلى هذه الظاهرة، ويُسارعوا في وأدِها في مهدها، قبل أن تستفحل وتتعمَّق أكثر مما هي عليه الآن، وأتوجه إلى مُدرِّسي اللغة العربية وغيرها من المواد في المدارس الإعدادية والثانوية، أن يَنشروا الوعي اللغوي، ويُنبِّهوا طلابهم إلى آثار هذه الظاهرة السلبية؛ فمسؤولية رجال اللغة والإعلام لم تَختلِف عما كانت عليه سابقًا، وإنما تجدَّدت أشكالها؛ فالحرب على الفصحى لم يتغيَّر جَوهرُها وأهدافها؛ وإنما الذي تغيَّر هو أسلوبها ووسائلها.


[1] انظر: ويكيبيديا، عربي، مصطلح: عربيزي.
[2] انظر: مقال إبراهيم فرغلي، مجلة العربي الكويتية، مقال: هل تمحو 3raby لغة الضاد؟ انظر: عدد نوفمبر:2010م، ومقال: نهى قاطرجي، لغة الشات.
[3] عدد المشتركين في هذه الصفحات في موقع (فيسبوك: Facebook) الاجتماعي، (اكتب عربي: 242)، (استرجل واكتب عربي: 1383)، (كفاية فرانكو.. اكتب عربي: 1536)، وهو عدد متوسِّط ليس بالقليل ولا بالكثير.
[4] مِن أهمِّها برنامج الدكتور عمرو خالد المُسمَّى "بكرة أحلى"، الذي يُعرَض على القناة المصرية الرسمية؛ فإنَّهم أضافوا أسفل الاسم العربي للبرنامج، اسمَه بأحرُف لغة الدردشة، فكتبوا: "bokra a7la"!!


Twitter: @anassarmini

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق