5/22/2013

منهج المؤلفين في الاقتباس والنقل


منهج المؤلفين في الاقتباس والنقل

محمد أنس سرميني



تميَّز الميراث الفكري الإسلامي على مرِّ العصور والدُّهور بخصيصة التَّراكميَّة والهرَمية، وبمزيَّة بناء الأجيال الجديدة على ما تركتْه الأجيال السَّابقة، فلم يحصل أن انقطعت سلسلةُ العلم والتأليف في عصر من العصور، ومهما قلَّ الإبداع والإنتاج الأصيل في فترة ما، فإن هذه الصِّلة بين العلماء والتَّواليف لم تتأثر ولم تنقطع.



ومن هنا برزت أهمية النُّقول في مؤلفات الفقه وأصول الدين، وقلَّما يخلو كتابٌ من اعتماد على من سبقه، ونُقول عن سلفه، ويتفاوت مقدارها وحجمها بحسب الرؤية العامَّة لعلماء ذلك العصر، وهي تزداد في الكمِّ مع تأخر عصور العلماء وتباعدها عن العصور الأولى.



ولعلَّها بلغت حدًّا غير مقبولٍ حينما مُلئت كتب بعض المتأخرين باقتباسات كثيرة، فاقت بحجمها ما كتبه الكاتب بقلمه، وعلى أي حال فإن الذي يعنينا في هذا الموضع هو دراسة مناهج المؤلفين في هذه النُّقول، ومعرفة أسباب لجؤوا إليها، ومراميهم من الاعتماد عليها.



لا شك أنَّ أول ما يتداعى إلى الذهن بخصوص منهج الاقتباس والنقل العلمي هو الأمانة في النقل، بحيث يكون الناقل موضوعيًّا وصادقًا في نقله، لا يحرِّف شيئًا من الكلمات، ولا يتزيَّد عليها من عنديَّاته، ولا ينقص منها شيئًا، خصوصًا فيما إذا كان النقل بالمعنى وليس حرفيًّا؛ إذ الأفهام تتفاوت، والأفكار تتباين، فالدقة والحصافة والتأني أمورٌ مطلوبة جدًّا، وهذا ما عُرف عن أسلافنا من المؤلفين، فأما غاياتهم ومنهجهم من الاقتباسات والنُّقول العلمية.



فمنها ما يأتي:

أولًا: إثراء مضمون الكتاب، والاستشهادُ على أفكاره وتأييدها بنصوص عن كبار العلماء، وهو الغرض الأساسي لكل نقل، وهي الطَّريقة التي سار عليها العلماء سلفُهم وخلفُهم، وكلَّما حسُن اختيار النقل، بحيث كان صريحًا دقيقًا في تأييد الفكرة المذكورة، وكُلما كان طريفًا يأتي ما غاب في رفوف المكتبات ولم يعْتَده المؤلِّفون والكتبةُ، كان متميزًا مستحسَنًا.



ثانيًا: نصرةُ أقوال المؤلِّف، وربطُ منهجه في التأليف بمناهج الأئمة المتَّفق على جودتهم، وفي هذا تأثرٌ بالرأي الذي يرفع كلام الأوائل لمجرد تقدمهم ويغضي عن كلام المعاصر، فكان لزامًا على كل متأخر أن يجعل كلامه متَّصلاً بمن سلفه؛ ليكون شاهدًا على سلوكه جادَّةَ الجماعة، وعدم خروجه وشذوذه عنها.



ثالثًا: إبرازُ نصوص مهمَّة لأئمة ومؤلِّفين ضاعت كتبهم وفُقدت مخطوطاتها، أو أنها لا زالت مخطوطةً حبيسةَ رفوف المكتبات، ولم تُطبع بعدُ، وكثُر هذا الأمر في العصور المتأخرة، والتي قد يظفر فيها أحد العلماء بواحدة من نفائس المخطوطات، فيضمِّنها كتبه ومؤلفاته، وتميَّز بذلك المكثرون بالرَّحلات العلمية ممن جابوا الأصقاعَ وجمعوا النوادر، ولربَّما ضاعت تلك المخطوطات، وبقي كثير منها مضمنًا في تلك الكتب.



رابعًا: إلزامُ الأتباع بأقوال أئمتهم: خصوصًا في المواطن التي خالف فيها المتأخرون ما كان عليه أسلافُهم، فأقوال أئمة الفقه والزُّهدِ الأوائل تختلف كثيرًا عمَّا آلت إليه الأمور عند المتأخرين، بإغلاق باب الاجتهاد، والانجرار وراء ضلالات الباطنيَّة، وفيه أيضًا الوقوف أمام تحميل الأئمة من السلف مواقفَ لا تحتملها أقوالهم.



وأخيرًا، فإنه يصح أن يزيد أحدهم على هذه النقاط الأربع، وإنما كان جهدي في اختيار طريفها ومُهمِّها، مما قد لا يخطر على الذهن بالبداهة، ومما تفاوت المؤلفون في مدى استيعابه وتحقيقه في نقولهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق