11/29/2014

تبسيط مباحث المنطق: ثانياً التصديقات



تبسيط مباحث المنطق


 الجزء الثاني: مباحث التصديقات

أولاً تعريف القضايا:

القضايا أو التصديقات هي الجملة الخبرية في علم البلاغة، وهي التي يصح تصديق قائلها أو تكذيبه. خلافاً للإنشاء الذي لا يقبل التصديق والتكذيب بذاته، كقولك السماء صافية، فهي قضية، ولا تشتغل بالملهيات فهذا إنشاء.
والبدهيات هي من القضايا، كقولك الواحد نصف الاثنين، لأنها تقبل التصديق بذاتها، وجاءها من المؤيدات والشواهد ما ينفي عنها احتمال الكذب.

ثانياً: أنواع القضايا الحملية والشرطية

القضايا الحملية: كقولك أحمد طالب، فهي مسند ومسند إليه، أي موضوع وهو أحمد، ومحمول وهو طالب. والمعنى حملنا المحمول وهو المسند، على الموضوع وهو المحمول عليه والمسند عليه.
القضايا الشرطية المتصلة: إن كان الفجر طالعاً فقد حان وقت صلاة الفجر. فوقوع الجزء الأول يعني وقوع الجزء الثاني.
القضايا الشرطية المنفصلة: العدد إما زوجاً أو فرداً، والإنسان إما شاكراً أو كفوراً، والناس إما إلى الجنة أو النار. والوصف بهذا لا يحتمل الجمع ولا يحتمل الرفع. كالنقيض.
وفي الشرط: يكون القسم الاول اسمه مقدماً أي الشرط عند النحاة، والثاني تالياً أي الجواب عند النحاة.
والقضايا بأجمعها، إما موجبة كمحمد صائم، أو سالبة كمحمد ليس صائماً.
والمتصلة نوعان: لزومية كما سبق، واتفاقية لا معنى للشرط فيها. كقولك إن كنت تاجراً فأنا طالب علم.
والمنفصلة أنواع: حقيقية: يمتنع فيها الجمع والخلو، أي لا يجتمع طرفاها ولا يفترقان، وتكون في الشرط الذي يتنافا ويتناقض طرفاه، كقولك العدد إما زوج أو فرد. فكل عدد يجب أن يتحقق بإحدى الصفتين، ولا يتصور انتفاؤهما عنه ولا تحققهما فيه. وكقولك هذا إما إنسان أو لا إنسان. وهذا الكتاب إما في المنطق أو ليس في المنطق.
أو مانعة للجمع: كقولك هذا الشيء إما إنسان أو حجر. فلا يصح أن يكون الشيء كلاهما، ولكن يصح أن يكون شيئاً آخر كالشجر. فالشجر أخص من نقيض الإنسان. وكقولك: إما أن تكون من المصلين أو تشتغل بالعلم، فيصح أن تكون نائماً مثلاً.
أو مانعة للخلو: كقولك إما أن تكون طالباً للعلم أو لا تكون طالباً في الأزهر. فيجب اجتماعهما لأنه اذا ارتفعا لكان طالباً في الأزهر وليس طالباً للعلم، فهذا لا يصح. وهي حالة مذكورة للقسمة العقلية فحسب، وليس لها أهمية القسمين السابقين.

 ملاحظة:
يجوز في القضايا المنفصلة ذكر الشيء ونقيضه، أو مساوي نقيضه. فتقول: الكلي إما جنس أو لا جنس. أو تقول: إما جنس أو نوع، وإما جنس أو فصل. فالنوع والفصل هو من أجزاء نقيض الجنس. ويجوز اجتماعها كلها، فتقول: الكلي إما جنس أو نوع أو فصل. فهي لا تجتمع في شيء، ولكنها ترتفع في الخاص والعرض.
وللقضايا تقسيمات أربعة أخرى:
القضية المخصوصة شخصية: زيد كاتب وسالبه: زيد ليس بكاتب.
القضية الكلية المسورة: كل إنسان كاتب، وسالبه: لا أحد أو لا شيء: لا أحد من الناس بكاتب.
قضية جزئية مسورة: بعض الناس كاتب، وسالبه: بعض الناس ليس بكاتب.
قضية مهملة موجبة: يطلق فيها الحكم الكلي، ويكون المراد الأعم الأغلب لا الجميع، فهي بقوة الجزئية المسورة، مثل سيد القوم خادمهم، الإنسان كاتب، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. والمعنى بعض السادة خدم لرعيتهم، وبعض الناس كاتبون. وسالبه: ليس البتة.

ثالثاً: التناقض:

هو اختلاف القضيتين بالإيجاب والسلب. فنقيض إنسان: لا إنسان، ونقيض الحي: لا حي، ونقيض يقظان لا يقظان.
وشرط تحقق التناقض: اتفاق القضيتين في الزمان والمكان، والموضوع والمحمول، والإضافة والقوة والفعل، والجزء والكل، والشرط.
فلا تناقض عند اختلاف:
  • الزمان: زيد نائم ليلاً، ليس بنائم نهاراً.
  • المكان: زيد في السوق، ليس في البيت.
  • الموضوع: زيد كاتب، عمرو ليس بكاتب.
  • المحمول: زيد كاتب، ليس بنائم.
  • الإضافة: زيد أبو عمرو، ليس بأبي بكرٍ.
  • القوة والفعل: المرأة حامل بعد الزواج، ليست بحامل قبل الزواج.
  • الجزء والكل: زيد قرأ بعض الكتاب، ولم يقرأ كل الكتاب.
  • الشرط: زيد يحل له الطعام في غير الصوم، ولا يحل له الطعام في الصيام. 
  • وأيضاً عند اختلاف الحمل، بين الحمل الشائع أي على الأفراد جميعاً، والحمل الأولي وهو تعريف الشيء، فمثلاً قولهم: الفعل لا يخبر عنه، فإنك أخبرت عنه أنه لا يخبر عنه وهذا تناقض، والجواب لا، فإن نوع الحمل قد اختلف، فهو لا يخبر عنه على الحمل الشائع، ويخبر عنه بالحمل الأولي.
 
ملاحظة:
نقائض الكليات الموجبة الكاذبة: كليات سلبية صادقة.
كل الماء حلو، كل الماء ليس بحلو: كلاهما كاذب.
بعض الماء حلو، بعض الماء ليس بحلو: كلاهما صادق.
وعكسه صحيح، فلو أتينا بكليات سلبية لكانت صادقة ولكانت نقائضها كاذبة: بعض الطلاب حنفي، بعض الطلاب ليس بحنفي، نقيضه: كل الطلاب حنفي، ليس بحنفي، وهذه قضية كاذبة.

رابعاً: العكس

العكس هو أن تجعل الموضوع محمولاً والمحمول موضوعاً، دون أن يتغير في القضية إيجابها وسلبها، وكليتها أو جزئيتها، وصدقها خلافاً لكذبها.

وعكس القضية الكلية الموجبة هو القضية ذاتها موجبة جزئية لتصدق، فالكلية لا تنعكس كلية لأنها لن تصدق فهي نقيضتها إذن: فعكس كل العلماء سعداء: بعض العلماء سعداء.

وكذلك الجزئية الموجبة تنعكس جزئية موجبة أيضاً مثل: بعض الحبر أسود، عكسه بعض الأسود حبر، فهي إيجابية جزئية. فإن كان الأصل صادقاً فإن العكس صادق، كما هنا.
ولكن إن كان الأصل كاذباً، فإن عكسه صادق أو كاذب.
فمثلاً: كل الحيوان إنسان: كاذب. عكسه بعض الحيوان إنسان وهو صادق.

وتنعكس الكلية السالبة كلية سالبة أيضاً: لا شيء من الإنسان حجر، لا شيء من الحجر إنسان. فإن صدقت الأولى صدقت الثانية.

وأما الجزئية السالبة فلا تنعكس، لأنها لا تصدق موجبة كلية أو جزئية، كقولك: بعض الحيوان ليس بإنسان، فلا يصح سلب الحيوان عن الإنسان لا كلياً ولا جزئياً.
والخلاصة إذن: أن الموجبة كلية أو جزئية: عكسها جزئية موجبة.
والسالبة الكلية عكسها سالبة كلية.
والسالبة الجزئية لا عكس يصدق عليها.

خامساً: القياس:

هو قول ملفوظ أو معقول، مؤلف من أقوال ومقدمات، متى سلمت، لزم عنها لذاتها قول آخر أي نتيجة.
فيشترط فيه المقدمات السليمة. وارتباطها بقدر مشترك يكون هو النتيجة. ويقصدون بالمقدمات اذا سلمت أي في ذهن القائل، ولا ضرورة أن يكون ذلك في الواقع.
وأما قولك لا شيء من الإنسان بحجر، ولا شيء من الحجر بحيوان، فلا يسمى هذا قياساً.

وهو نوعان:
قياس اقتراني: كل جسم مخلوق، وكل مخلوق حادث، فكل جسم حادث.
وقياس استثنائي: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، ولكن النهار ليس بموجود: فالشمس ليست بطالعة.

أركانه:
وهي تعرف من المثال: كل انسان جسم، سقراط انسان، سقراط جسم.
الحد الأوسط: هو الكلمة المكررة في المقدمتين في القياس الاقتراني، وهي هنا سقراط. وهي تكون أعم من موضوع المطلوب وأخص من المحمول.
الحد الأصغر: هو موضوع المطوب وهو الانسان. لأنه أخص من محموله.
الحد الأكبر هو المحمول وهو الأعم وهو الجسم.
والمقدمة الأولى التي فيها الحد الأصغر هي المقدمة الصغرى، والمقدمة الثانية والتي فيها الحد الأكبر هي المقدمة الكبرى.

أشكاله:
ترتبط أشكال القياس بالحد الأوسط، والذي هو مدار عملية القياس.
الشكل الأول: أن يكون الحد الأوسط موضوعاً في الجملة الكبرى، ومحمولاً في الجملة الصغرى. مثل: كل مسجد وقف، وكل وقف يحرم بيعه، فكل مسجد يحرم بيعه. فالحد الأوسط هو الوقف، كان محمولاً في الجملة الأولى الصغرى، وموضوعاً في الجملة الثانية الكبرى.

الشكل الثاني: أن يكون محمولاً في الجملتين: مثل كل ما بين السرة والركبة عورة، ولا يحل النظر إلى العورة، فلا يحل النظر إلى ما بين السرة والركبة. فالعورة وهي الحد الأوسط، ظهرت محمولاً في كلا الطرفين.

الشكل الثالث: أن يكون موضوعاً في الجملتين: كل سارق خائن، كل سارق تقطع يده، فبعض الخائن تقطع يده.

الشكل الرابع: أن يكون الحد الأوسط محمولاً في الجملة الكبرى، وموضوعاً في الجملة الكبرى، مثل كل ما يفسد الصوم هو الأكل عمداً، التنفس ليس بأكل عمد، بعض ما يفسد الصوم ليس بتنفس. فظهر الأكل عمداً موضوعاً في الجملة الأولى، ومحمولاً في الجملة الثانية الكبرى.
والعلاقة بين الأول والرابع علاقة عكسية، بمعنى إذا عكست موضوع ومحمول الأولى، حصلت على الثانية.
والطريق المألوف في استخراج القضايا وقياسها على بعضها هو الشكل الأول، وأما الرابع فأبعدها عن الطبع، لأنه أبعدها عن الأول، فهو معيار العلوم وميزانها، وتكتفي المختصرات في كتب المنطق بشرحه وحده.

وشرطه: إيجاب الصغرى وكلية الكبرى. فيكون الناتج له أربع صور:
الأولى: موجبة كلية مع موجبة كلية، والنتيجة موجبة كلية، مثالها: كل مؤمن محب لله، كل محب لله ملتزم بأوامره، كل مؤمن ملتزم بأوامر الله.
الثانية: موجبة كلية مع سالبة كلية، والنتيجة سالبة كلية: مثالها: كل قصب السكر يحتاج لتسعة أشهر لنموه، لا شيء مما يحتاج إلى تسعة أشهر لنموه يمكن زرعه مرتين في السنة، لا شيء من القصب ممكن زرعة مرتين في السنة.
الثالثة: موجبة جزئية مع موجبة كلية، والنتيجة: موجبة جزئية. بعض المسؤولين مهملون، كل المهملين خائنون، بعض المسؤولين خائنون.
الرابعة: موجبة جزئية، مع سالبة كلية، والنتيجة سالبة جزئية. بعض المسلمين تاركون للصلاة, ليس أحداً من تاركي الصلاة قريب من الله، بعض المسلمين ليس قريباً من الله.

أقسام القياس الاقتراني:
وهي ستة أقسام، أولها القياس المكون من مقدمتين حمليّتين كما سبق.
ثانيها: القياس المركب من متصلتين، كقوله: إن أعرض المسلمون عن التمسك بدينهم غضب الله عليهم، كلما غضب الله على قوم ألبسهم ثوب الذل، فإن أعرض المسلمون عن التمسك بدينهم ألبسهم الله ثوب الذل.
ثالثها: المركب من منفصلتين: من تجاوز الميقات يجب أن يكون محرما بعمرة أو بحج. من كان محرما بحج فإما أن يكون مفرداً أو قارناً، فعليه يكون من تجاوز الميقات محرماً بعمرة أو مفرداً أو قارناً.
رابعها: المركب من متصلة وحملية: كلما كان الأمير محافظا لحقوق رعيته كان مطاعاً في قومه، وكل مطاع في قومه شديد البأس على عدوه، فكلما كان الأمير محافظاً على حقوق رعيته كان شديد البأس على عدوه.
خامساً: المركب من منفصلة وحملية، إما أن تتدين أو تتبع هواك، وكل متبع لهواه لفي ضلال، فإما أن تتدين أو تكون في ضلال.
سادساً: المركب من متصلة ومنفصلة.

أقسام القياس الاستثنائي:
فاستثناء عين الأول، ينتج عين الثاني، فقولك: إن كان هذا إنسان فهو حيوان، ولكن هذا انسان فهو حيوان إذن.
واستثناء نقيض التالي ينتج نقيض المقدم: فقولك: إن كان هذا انساناً فهو حيوان، لكنه ليس بحيوان فلا يكون إنساناً.
ولها تفصيلات أخرى لا يتسع المقام لذكرها.

للاطلاع على الجزء الأول اضغط هنا
للاطلاع على الجزء الثالث اضغط هنا

11/23/2014

تبسيط مباحث المنطق: أولاً التصورات



تبسيط مباحث المنطق:

تعريف علم المنطق وموضوعه:

يعرف المنطق فيقال فيه قواعد تعصم العقل من الخطأ. أو قوانين الاستدلال السليم.
فموضوعه القواعد والقوانين، وغايته الاستدلال السليم، عصمة الفكر من الزلل.
وهو من علوم الآلة كالنحو، فليس غاية بذاته، وإنما هو وسيلة تقويم، فالنحو يقوم اللسان، والمنطق يقوم العقل.
وهو علم معياري، يدرس ما يجب أن يكون عليه الفكر السليم، وبه تعرف صحة الرأي من فساده، وأحكامه أحكام وجوب.
ولقد قيل فيه: " أكثر الفطر السليمة تستقل به، والبليد لا ينتفع به، والذكي لا يحتاج إليه" وهذا صحيح، لأنه قواعد عقلية لا يقع فيها العقل الذكي، ولا يتنبه إليها البليد، ولكن معظم الدارسين والقراء يقعون في منزلة بين هاتين المنزلتين، وهم الذين يستفيدون منه إذن.

الأول: مباحث التصورات

أولاً: أنواع العلاقات بين الدال والمدلول، وبين اللفظ والمضمون:

هي ثلاث علاقات: علاقة المطابقة وهي علاقة تامة بينهما، والتضمن وهي علاقة جزئية عموم وخصوص مطلق أو مقيد، والملازمة وهي علاقة تبعية مطردة في جميع الأفراد والمصاديق.
فكلمة إنسان: تطابق الحيوان الناطق (ومعناه عند أرسطو أي يدرك المفاهيم الكلية)، ويتضمنها كلمة حيوان، أو ناطق، فليس كل حيوان إنسان، وليس كل ناطق كذلك، ويلازمها معنى قابلية التعلم والكتابة والقراءة.
وكلمة ميزان تطابق الآلة المعروفة، وتتضمن الكفتين والمنجم بينهما، ويلازمها معنى واسطة العلم بمقادير الأشياء.
ملاحظات:
التضمن نوعان أكبر من الكلمة، وأصغر منها.
المقصود بالدلالات والعلاقات السابقة أصلها وحقيقتها، بعيداً عن المجاز والتشبيه والبلاغة، والدلالات العرفية.
الدلالات الالتزامية لا تكون إلا إذا كانت مطردة في جميع الأفراد، إلا أنها قد تكون بدهية، وقد تكون بحاجة إلى برهان، فمثلاً دلالة الصوت البشري على الإنسان مهما كان الصوت وكانت اللغة، هي دلالة بدهية، وأما دلالة المثلث على أن مجموع زواياه قائمتين، فهي لا تقوم إلا بالبرهان، ولا يؤثر هذه في الدلالة الالتزامية. والدلالة البدهية التي لا تحتاج برهاناً تسمى دلالة بيّنة، وهي نوعان: بين بالمعنى الأعم وبين بالمعنى الأخص، وليس له كبير فائدة.

ثانياً: أنواع الدلالات اللفظية:

دلالة عقلية: تستند إلى مجرد العقل في الإدراك، فمن سمع صوتاً بشرياً أدرك أن مصدره إنسان، وأنه حي، فالعلاقة بين الصوت، وبين الإنسانية والحياة علاقة عقلية.
دلالة طبيعية، اي بذاتها، فلا تحتاج إلى الإدراك العقلي ولا التواضع اللغوي، فقول الإنسان: آه، يعني أنه يتألم، وهي دلالة طبيعية.
دلالة وضعية: وهي دلالة الألفاظ اللغوية، وتختلف بحسب اللغات، كما تواضع عليها الناس.
دلالة فعلية: وهي الدلالات التي تخرج عن الأنواع الثلاثة الماضية، كالمجازات مثلاً، وهي تخرج عن نطاق المنطق كما سبق.
ملاحظة: الدلالة التي تنقسم إلى مطابقة وتضمن والتزام، هي الدلالة الوضعية.

ثالثاً: أنواع العلاقة بين اللفظ وأجزائه والمعنى

اللفظ قد يكون لفظاً مفرداً ليس له أجزاء، كهمزة الاستفهام، وواو العطف.
وقد يكون له أجزاء، لا تدل مفردها على معنى، كمحمد وقلم: ق ل م.
وقد تكون له أجزاء، لها معان قائمة بذاتها، لكنها ليست جزءاً من المعنى الموضوع له: كعبد الله، فعبد له معنى، وكذلك الله، ولكن المراد معنى ثالث عنهما.
وقد تكون له أجزاء، لها معان قائمة بذاتها، وهي جزء من المعنى الموضوع له، لكنها ليست مرادة من هذا الوجه: كقولك الإنسان حيوان عاقل.
وقد تكون له أجزاء، لها معان قائمة بذاتها، ويراد من كل جزء منها، جزءاً من المعنى، فهي الألفاظ المركبة المضافة، كقولك سيارة المدير، وباب الغرفة.
ملاحظة:
النوع الأخير هو المركب الوحيد، وما تبقى فهو من المفردات.
الاختصارات ك: رواه خم: بخاري ومسلم، هي ليست من المفردات بل من المركبات. لأن كل جزء منها وهو الحروف يدل على جزء مستقل من المعنى.
أنواع المركبات في المنطق: مركب وصفي: رجل كامل.
                     ومركب إضافي: وهو نوعان: خبري: كتابي، كلكم راعٍ، وإنشائي: أقم الصلاة، ولا تمش في الأرض مرحاً.

رابعاً: نوعا الألفاظ بحسب المعاني الموضوع لها:

لفظ كلي: يصدق مفهومه على كثيرين: كرجل وإنسان وحيوان.
لفظ جزئي: يمتنع تصور مفهومه على كثيرين: كأسماء الأعلام.
فالشمس لفظ كلي، ينطبق في مجموعتنا على نجم واحد، وكذلك "واجب الوجود" مفهوم كلي يقبل أن يكون له أفراد كثر، ولكن قام الدليل أنه ليس له إلا فرد واحد.
فاللفظ الكلي: يقبل الشركة بذاته، ويقبل انطباقه على كثيرين.
وأما قولك إن محمداً اسماً لذوات كثيرة، فالجواب: إن هذا يكون من باب تعدد الوضع، فهو قد وضع أصلاً لذات واحدة، ووضع أصلاً لذات أخرى وهكذا.
التقسيمان هذان، يختصان بالمعاني لا بالألفاظ.

خامساً: نوعا الكلي:

الكلي نوعان، إما ذاتي أو عرضي:
الكلي الذاتي يكون داخلاً في حقيقة أجزائه: حيوان: انسان وفرس. انسان: زيد وعمرو.
الكلي العرضي: يكون خارجاً عن حقيقة ما يصدق عليه من الجزئيات: إنسان: ضاحك وماشي ومتعقل..
ينقسم الذاتي إلى جنس ونوع وفصل، ويتغير جزئياته بحسب مستوى النظر والتصنيف.
وينقسم العرضي إلى عام وخاص.

سادساً: الجنس والنوع والفصل:

فأما الجنس: فهو الجزء المشترك بين الماهية وماهية أخرى تخالفها، بحيث يكون مرجع الاشتراك لا التميز.
فمثلاً ما هو زيد؟ هو إنسان، وهذه حقيقته ومرجعه المشترك، وأما حيوان فهو ليس مرجعاً مشتركاً بل ينضم إليه ماهية الفرس والأسد. ولا يقال هو ناطق لأنها ليست حقيقته، بل هي مميز له.
فإن قيل ما الإنسان والفرس: فالجواب حيوان لأنه مرجعهما المشترك.
وينقسم الجنس إلى نوعين: قريب وبعيد.
فجواب سؤال: ما الانسان والفرس: حيوان جنس قريب يشملهما. وجواب سؤال: ما الإنسان والحجر: جسم، جنس قريب يشمل ماهيتهما.
وأما قولك عن الانسان والاشجار أو الحيوان: جسم، فهذا جنس بعيد، لأنهم أجسام نامية، فهو ليس تمام الماهية بينهما. فالبعيد يشمل دائرة أوسع من السؤال.
وعليه يكون الجنس نوعان، ينقسم وهو ثلاثة أنواع، ولا ينقسم وهو الفرد.
فالمنقسم: يكون جنساً سافلاً ومتوسطاً وأعلى. وتطبيقه في قولنا على الإنسان: حيوان، جسم نام، جسم.
ويعود تصور الجنس العالي في الدنيا إلى الفيزياء لا النظر، ولعله الجوهر الاول وهو الذرة والنواة و...

وتحت الجنس يقع النوع، والنوع هو لفظ كلي تختلف أفراده في العدد لا في الحقيقة.
ويصح أن يكون جوابك عن : ما هو زيد، وما هو زيد وعمرو: إنسان، إذ النوع ينطبق على الفرد والجمع. وهو تمام الماهية المشتركة لهما.
فالنوع هو الجهة التي تلي الجنس السافل تماماً، فيقال عن الحيوان: إنسان وفرس، وهما أنواع.
ويصح إطلاق النوع على أي جهة تحت الجنس، فما تحت الجنس العالي: أنواع عالية أيضاً: فالجسم: نام وغير نام، وهما نوعان عاليان.
وبذلك ينتهي الجواب عن سؤال ما هو، أي الماهية.

وتحت النوع، يقع الفصل، وسؤاله أي شيءٍ، فهو ليس من ماهية الشيء، بل من مزاياه وخصائصه وفصله عن غيره. فهو من أنواع الصفات والقيود.
فالإنسان: حيوان ناطق، فحيوان هو جنس، ومميزه أنه ناطق، ميزه عن جميع ما يشترك معه في الجنس.
والفصل نوعان قريب وبعيد. فالقريب يفصله عن جميع ما يشترك معه كالناطق، فصله عن الحيوانات وما سواها.
والبعيد يفصله عن بعض ما يشترك معه، كالنامي في الإنسان يشترك في الحيوان والنبات.

سابعاً: العَرَض وأنواعه:

الأعراض: ما لا يدخل الماهية من الأوصاف، وهي نوعان:
أعراض لازمة لا تقبل الانفكاك عن الماهية، كالزوجية صفة للرقم أربعة، والفردية للرقم ثلاثة.
وأعراض مفارقة: تقبل الانفكاك عن الماهية، كالضاحك الشارب النائم الناطق صفاتٍ للإنسان.
والأعراض تكون بالفعل وبالقوة، فمن تحقق فيه الضحك من البشر: هو ضاحك بالفعل، ومن لم يكن ضاحكاً في ذلك الوقت ولكنه امتلك القابلية والقدرة، فهو ضاحك بالقوة.
والأعراض قد تكون مخصوصة بماهية واحدة، وهي الأعراض الخاصة كالضاحك الناطق للإنسان.
وقد تكون عامة لأكثر من ماهية، كالمتنفس، صفات للإنسان والحيوان والنبات. وما سبق من صفات كلها صفات بالقوة لا بالفعل فيما يخص الإنسان، لأنه يستطيع حبس ضحكه ونطقه وتنفسه.

ثامناً: القول الشارح أو الحد والتعريف:

لكي يتمكن الإنسان من شرح ماهية مجهولة، عليه أن يبحث عن أجزائها وخصائصها، ثم يؤلف من ذلك قولاً شارحاً.
والحد هو ما تضمن جنس الشيء وفصله، وهو نوعان:
الحد التام وهو الذي يتضمن الجنس والفصل القريب: كالإنسان حيوان ناطق.
والحد الناقص: وهو الذي يتضمن الجنس البعيد والفصل القريب، كالإنسان جسم ناطق ضاحك ماشٍ.
وكذلك يميزون بين الرسم التام والرسم الناقص:
فالرسم التام، هو الذي يأتي بالجنس القريب مع العرض الذي يميزه عن غيره: فالإنسان: حيوان ناطق.
والرسم الناقص: هو الذي لا يأتي بالجنس القريب، بل يأتي بالأعراض التي يختص مجموعها بحقيقة واحدة، لا أفرادها. فالإنسان: هو النامي الضاحك المتكلم العاقل.



للاطلاع على الجزء الثاني اضغط هنا
للاطلاع على الجزء الثالث اضغط هنا