9/02/2015

المَجَاز في اللُّغة العربية، ثانياً: المجّاز المرسل



المَجَاز في اللُّغة العربية
بينَ المجاز العَقلي والمجاز المُرسَل

ثانياً: المجّاز المرسل:
وهو مجاز في اللفظ لا في الإسناد، أي أنه لفظ استُعْمِل في غير معناه المعجمي المتداوَل لدى المتخاطِبين لعلاقة تختلف عن العلاقات في التشبيه والاستعارة، فالعلاقات هنا هي قرائن لفظية أو حالية تمنع قصد المعنى الحقيقي.
من أنواع علاقات المجاز المرسَل:

1- السببية، أي التعبير بالسبب وإرادة المسبِّب.
كقولك: رعينا الغيث، فنحن رعينا العشب، ولكننا عبرنا بالسبب وأردنا المسبَّب.
وكقولك: السيف أنطق للحق، فالسيف سبب القصاص والعدالة.

2- المسَبَّبِيَّة، أي التعبير بالمُسَبَّب وإرادة السبب.
كقوله تعالى (وهو الذي يريكم آياته، وينَزِّل لكم من السماء رزقاً)، فالله أنزل المطر وهو سبب الرزق.
وكقولك أمطرت السماء نباتاً، فالمطر سبب النبات.
وكقولك: شربت ترياق الشفاء، أي دواء كان سبب الشفاء بإذن الله.

3- الجزئية، أي التعبير بالجزء وإرادة الكل.
كقوله تعالى: (فتحرير رقبة مؤمنة)، أي عبداً تاماً.
وكقولك: أرى وجهك بخير، ذكرت وجهه وقصدته كله.
وكقولك: ركعت ركعتين، تريد أنك صليت صلاة تامة، والركوع جزء منه.
وكقولك: ألقى الخطيب كلمة أثارت القلاقل في البلدة. فذكر الكلمة وأراد الخطبة وهي جزء منها.
وكقولك: شاعر يجيد القوافي، أي نظم القصائد، والقوافي من أجزائها.
وكقولك: قلمنا أظفار أعدائنا، تقصدهم بأكملهم.

4- الكليِّة، أي التعبير بالكل وإرادة الجزء.
كقوله تعالى: (جعلوا أصابعهم في آذانهم)، والإصبع لا يكون في الأذن، وإنما الأنملة، فعبر بالكل وأراد الجزء.
وكقولك: شربت ماء زمزم، أي بعضا أو زجاجة منه.
               
5- اعتبار ما كان ﴿الماضوية﴾.
كقوله تعالى: (وآتوا اليتامى أموالهم). فهم باستحقاقهم أموالهم ببلوغهم، لم يعد يصح إطلاق لفظ اليتامى عليهم.
وكقولك للمتكبر: أيها الطين اعرف قدرك. فأصل البشر تراب وصلصال وطين.

6- اعتبار ما سيكون﴿المستقبلية﴾.
كقوله تعالى: (إنك ميتٌ وإنهم ميتون). وعندما أنزلت الآيات كان النبي ج وصحبه الكرام على قيد الحياة.
وكقولك: زرعنا تفاحاً وتمراً وعنباً، وإنما هي غِراس.
وكقولك: أوقد لي ناراً، فالذي يوقد إنما هو الحطب، ولكن مآله النار.
وكقوله تعالى: (إني أراني أعصر خمراً) أراد فاكهة ولكن مآلها أنها ستكون خمراً.

7- المحليَّة، أي التعبير بالمحل وإرادة الحالِّ به.
كقوله تعالى: (واسألوا القرية) والمراد سؤال الناس في القرية، وسؤال أهلها وسكانها، والعلاقة بينهم هي المحلية.
وكقول الشاعر:
بلادي وإن جارت علي عزيزةٌ
فالبلاد لا تجور، بل هم أهلها.
وكقولك: حديقة غنَّاء، أي يغني من فيها من بلابل وطيور، ومكانها الحدائق.
وكقولك رن الجرس فخرجت المدرسة بأسرها، أي طلابها.

8- الحالِّيَّة، أي التعبير بالحالِّ وإرادة المَحَلِّ
كقوله تعالى: (إن الأبرار لفي نعيم)، فهم في جنة وحالهم النعيم.
وكقولك: نزلت بالقوم فأكرموني، أي دارهم ومحلهم.

9- الآلية، أي تسمية الشيء بآلته.
كقولك: فلان له قلم سيال مؤثر. أي كتابته، والقلم آلة الكتابة.
وكقوله تعالى: (وما أرسلنا من رسولٍ إلا بلسان قومه). فاللسان آلة القول واللغة والتعبير.
وكقولك: أرسلنا عيوننا إلى أعدائنا، أو لا تكن عيناً على جارك، فالعين آلة النظر والإبصار والتجسس.

(مع الشكر الجزيل لجميع المصادر التي أخذت منها هذه الأوراق).

المَجَاز في اللُّغة العربية أولاً: المجاز العَقلي



المَجَاز في اللُّغة العربية
بينَ المجاز العَقلي والمجاز المُرسَل



أولاً: المجازُ العقليّ:
قَالَ عبدُ القاهِرِ الجرجانيّ: "هَذَا الضَّربُ مِنَ المَجَازِ عَلَى حدَّتِهِ، كَنْزٌ مِنْ كنُوزِ البَلاغَةِ، ومادةُ الشَّاعر المفلقِ، والكاتبِ البَليغِ فِي الإبداعِ والإحسَانِ والاتِّساعِ فِي طَريقِ البَيَانِ".
وأصل استعمال المَجَاز العقلي، أنه يُستعمل فيه اللفظ فيما وُضع له، ولكن يُسند فيه الفعل لغير فاعله، فموضعه في الإسناد لا في اللفظ.
ولِهَذَا النَّوعِ مِنَ المَجَازِ علاقاتٌ وأنواع مختلفةٌ تظهر مِنْ خِلَالِ الأمثِلَةِ الآتيةِ:

1- علاقة السببية:
كقوله سبحانَهُ حِكَايَةً عَنْ فِرعَونَ: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ﴾. فالفعلُ "ابنِ" أسنِدَ إلَى غيرِ فاعِلِهِ الحقيقيّ، فإنَّ هَامَانَ - وهُوَ الوزيرُ والمستشارُ - لَا يَقومُ بِفعلِ البِنَاءِ بنفسِهِ، وإنَّمَا مَنْ يَقُومُ بالفعلِ هُمُ العمَّالُ والبنَّاؤونَ، ولكنه سبب البناء لأنه هُوَ مَنْ يُعطِي الأَمرَ.
وكقولك: أهلك الظلم الأمم. فهو سبب هلاكها.
وقولك: طبع المؤلف الكتاب، فهو سبب الطباعة وليس فاعلها.

2- علاقة الزمانية:
كقول الشَّاعِرُ:
سَتُبدي لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلاً
فلَا يُمكنُ للأيَّامِ أنْ تُبدِيَ وتُظهِرَ، وإنَّمَا هِيَ زمانٌ لِحُصولِ الإبْدَاءِ والإظهار.
وكقوله تعالى: "كَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً". فاليوم لا يجعل الولدان شيباً، وإنما هو الظرف الزماني لهذا التَّغيُّر.
وكقولك: "نهارُ الزَّاهِدِ صائمٌ وليلُهُ قائِمٌ"، فإنَّ الصَّومَ أُسنِدَ إلَى النَّهارِ، والنّهارُ لَا يصومُ، وإنَّمَا هُوَ زمانٌ للصِّيامِ، وأُسنِدَ القِيَامُ إلَى الَّليلِ، والَّليلُ لَا يَقُومُ.
وكقولهم: ضرسهم الزمان وطحنتهم الأيام. أي التجارب والناس. وهذا ظرفه.

3- علاقة المكانية:
كقول الشاعر:
فلمَّا مَلَكْتُمْ سالَ بالدَّمِ أبْطَحُ
لَقَدْ أُسْنِدَ سَيَلانُ الدمِ إلَى أبطحَ، وهو مكانُ سَيَلانِ الدَّمِ ولكنه هُوَ لَا يَسِيلُ، وإنَّمَا يَسِيلُ مَا فيهِ وهُوَ الدَّمُ.
ومنه قولك: ازدحمت شوارع القاهرة .
وقولك: احتفلت مدينتنا بفوز فريقها، فالفاعل في كلتا الجملتين إنما هو ظرف مكاني له.

4- علاقة المصدرية:
كقولك: الله جل جلالُه، أسندتَ الجلال إلى الجلال، وهو ليس بفاعله بل هو الله، ولكنه مصدر جلَّ، فحذفت الفاعل الحقيقي، وأبقيت المصدر.
وكقول أبي فِراسٍ الحَمْدَانِيّ:
سَيَذكُرُني قَومي إِذا جَدَّ جِدُّهُم            وَفي اللَيلَةِ الظَّلماءِ يُفتَقَدُ البَدرُ
فقد أسندَ الجِدَّ إلى الجِدِّ، أي الاجتهادِ، وهو ليسَ بفاعلِ له، بل فاعلُه الجادُّ - فأصله جدَّ الجادُّ جدًّا، أي اجتهدَ اجتهاداً، فحذفَ الفاعلَ الأصليَّ وهو الجادُّ، وأسندَ الفعلَ إلى الجِدِّ وهو مصدرُ الفاعلِ الحقيقيّ.
ومنه قولك: جد جِدك وكد كِدك.

5- علاقة الفاعلية:
كقول الله - تَعَالَى-: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا﴾. والحِجَابُ فِي أَصلِهِ سَاتِرٌ، وليسَ مَستُوراً.
ومثلُه أيضاً الآيةِ المبارَكَةِ في قولُه - تَعَالَى-: ﴿إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا﴾ أي آتياً على صيغة الفاعل.

6- علاقة المفعولية:
في قوله تعالى-: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا﴾. والحرمُ لَا يكونُ آمِنَاً، لأنَّ الإحسَاسَ بالأمنِ مِنْ صفاتِ الأحياءِ، وإنَّمَا هُوَ مأمونٌ فيه.
ومنه قول الحطيئة:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها وأقعد فإنك أنت الطاعم الكاسيُ
أي المطعوم المكسي.
وقولك: منزل عامر بالخيرات، أي معمور.