1/31/2013

كاريزما القائد.. وجهة نظر مغايرة

كاريزما القائد.. وجهة نظر مغايرة

محمد أنَس سَرميني



"الكاريزما من أهم صفات القيادة"، هذا ما اتفقت عليه أغلب الدراسات العلمية في مؤهلات القيادة وصفات القادة والتي تلقى سوقاً رائجاً في الشرق والغرب هذه الأيام. وهي صفة تقترن إلى جوارها صفات التأثير في العقول، وأسر القلوب، وسحر النفوس، ولعلها كلمة يونانية الأصل تعني "الموهبة التي تميز فرداً عن غيره بالحضور الطاغي والجاذبية الكبيرة"، وهي في نظري ترتبط بعنصر "الإبهار الذاتي"، بمعنى الإبهار في مخاطبة مشاعر الناس ومداعبة ما يجول في ضمائرهم، أو الإبهار في القوة والنفوذ والأضواء والشهرة، أي أنها الصفة المشتركة بين جميع من قيل فيهم كاريزماتيون. وقلنا هي صفة ذاتية لأنها ملكة ومنحة إلهية في الإنسان، ليست مكتسبة وإن كانت تقبل التطور، ومهما حاول البعض غرسها فيمن لا يمتلكها، فإنه لن تخرج إلا صورة مشوهة بل ومنفرة. وبما أن الإعلام يبحث دائماً عن الإبهار فيما يعرضه، فإن الكاريزماتيين مادة دسمة جداً في الإعلام، وهذا ما حولها من صفة إيجابية جاذبة للنفوذ الشخصي أو الحزبي أو الاجتماعي، إلى غرض وهدف سياسي يجعل من يتمتع بها في مركز القوة بالنسبة لمن حوله، "كما ذكر ماكس فيبر"، بحيث يسلمونه زمام شؤونهم، وأخذ قرارهم من دون وعي، بعد أن كسب عقولهم وقلوبهم، ومن هنا تبدأ الأزمة.
لا أريد الوقوف عند تحليل الأمثلة التاريخية للشخصيات الكاريزمية، فهذا له مكان آخر، وإنما غرضي أن أقدم تحليلاً تاريخياً وواقعياً عن هذه الظاهرة وأثرها في المجتمعات، وإذا ما انطلقنا من مقولة "توماس كارلايل" إن الغالبية العظمى من الشعوب ليست إلا قطيع يقوده بطل. فإن العبارة رغم قسوتها تشير إلى "قابلية للانقياد" عند كثير من الناس على غرار "القابلية للاستعمار" التي تحدث عنها مالك بن نبي. والمرشح الأقدر على لعب دور البطولة في هكذا مجتمعات، هو القائد الكاريزمي الذي يأتي في لحظة فراغ سياسي اجتماعي، فيملأه ويصحح مسار التاريخ، بما تخلع عليه المجموعة من صفات وقدرات خارقة. على أن هذه القابلية في مجتمعنا العربي ذات امتدادات تاريخية اجتماعية ودينية ترتبط بالقيادة الصوفية الأبوية، وبنظرية الإمام المستبد العادل، وبأثر الظروف القاسية والحروب في خلق عقدة البطل الضائع. ويخطئ من يظن أن القادة الكاريزميين لا يضعون ذلك في أولويات أهدافهم الشخصية والحزبية، فهم يقرؤون الواقع والتاريخ ويحاولون الارتباط بالشخصيات المؤثرة فيه، في محاولة تغطية النقائص والعيوب، واكتساب الهيمنة الشرعية والتاريخية.

إن الكاريزما مهما نجحت في اجتذاب الجماهير وفي الاحتفاظ بولائهم، بل وغسل أدمغتهم أحياناً، إلا أنها وحدها لا تقدر على إحداث التغيير الجذري، ولا تبني المؤسسات الحقيقية في المجتمع، لأنها أساساً قائمة على الفرد الرمز، وتتعارض كلياً مع العمل الجماعي والجهود المنتظمة، بما يجعل من الصعوبة بمكان تحويلها إلى عمل مؤسسي بيروقراطي متوازن. والأمثلة التاريخية تترى عن قادة انحرفوا بشعوبهم عن الحق والعدل إلى الطغيان والظلم، وجروهم إلى استعمار الشعوب واحتلال البلدان وقهر المغلوبين، وعن قادة آخرين ضللوا شعوبهم عندما بنوا انجازاتهم على قصور من الخيال والأوهام، وحولوا هزائمهم إلى انتصارات خطابية وفتوح شعرية وإنجازات ورقية، فأورثوهم الخداع والعار، وقيوداً تئن أعناقهم بحملها.

أما اليوم، وفي عهد العمل الجماعي، ومنظمات المجتمع المدني، فلربما تُعدُّ الكاريزما بخصائصها السابقة ضرباً من الصفات التي تحرف الأنظار وتشوش الرؤية وتضيع جهود المؤسسات، وتقف حائلاً دون تداول المناصب، وتكافؤ الفرص، وتكريم ذوي الكفاءات والاستفادة من خبراتهم. وهي وإن كانت صفة مهمة لحاملها، إلا أنها في الواقع ليس مؤهلاً كافياً لأي منصب قيادي سلطوي. إن ما نحتاجه كمجتمع يغرس أولى خطواته في طريق النهضة واليقظة، إنما هو قيادات حقيقة تتخذ قرارات مصيرية مبنية على رأي عام مجتمعي حقيقي، لا على رؤى مضللة وفردية، وقيادات تأتي بالترشيح والانتخاب لكفاءتها وسيرتها وتاريخها، لا بقدارتها الكاريزمية فحسب، بحيث تكون سبَّاقةً في احترام سيادة القانون، والخضوع لمبدأ المحاسبة، واحترام الرأي الآخر، وأن تكون في الصف الأول في الخدمة العامة بجهودها الحقيقة لا بخطبها العصماء، فالكاريزما الحقيقة فيما أرى هي كاريزما الشخص المتنور ذي الرؤية البنَّاءة، وكاريزما المتفاني بعمله والمخلص والكفء والدؤوب، والذي لا يضحي بمبادئ المجتمع ومصالحه، مقابل قيادة المجتمع، وكاريزما القائد الذي يصارح الناس بهمومهم وآلامهم وآمالهم، والقائد الذي يتميز بالعلاقات الندية مع من حوله، وليس علاقات التبعية والخضوع أو الإقصاء والتهميش.


رابط المقال في إيلاف:
http://www.elaph.com/Web/opinion/2013/1/788092.html?entry=opinion

القيادة الإيجابية بين الكاريزما والفعالية

القيادة الإيجابية بين الكاريزما والفعالية

محمد أنس سرميني 


لعلَّ معظم الدراسات التي تتناول معاني القيادة وشروطَها، وصفاتِ القادة - تتَّفق على أن "الكاريزما" مِن أهمِّ صفات القادة، وهي دراسات تَلقى سوقًا رائجًا في الشرق والغرب هذه الأيام، وتقترن إلى جوار كلمة (الكاريزما) صفات التأثير في العقول، وأسْر القلوب، وسِحْر النفوس، والحضور الجميل، والجاذبية الكبيرة، وهي في نظري صفة إيجابية للقائد، ترتبط بعنصر "الإبهار الذاتي"، بمعنى الإبهار في مخاطبة مشاعر الناس، ومداعبة ما يَجول في ضمائرهم، أو الإبهار في القوة والنفوذ والأضواء والشهرة، وتأخذ دورًا مهمًّا في وظيفة الجذب والإقناع؛ فهي بالتأكيد من الصفات المُساندة في بناء شخصية القائد، وجلب الاحترام والمحبَّة له، ومِن ثم اتباعه وتبنِّي مواقفه.

لا أريد هنا الوقوف عند ذكر الأمثلة التاريخية للشخصيات الكاريزميَّة، وذكْر آثارها الإيجابية أو السلبية في مجتمعاتها؛ وإنما الغرض أن أُقدِّم تحليلاً تاريخيًّا وواقعيًّا عن مدى اقتران نجاح تلك الشخصيات بصفة الجاذبية والكاريزما، وعن أثر هذه الظاهرة في المجتمعات، خصوصًا وأن الدراسات المُعاصِرة تجعل مِن الكاريزما في مقدِّمة الصفات المطلوبة للقيادة، إلا أن الحقائق تُشير إلى أنه قد تطرأ في المجتمعات النامية إشكاليتان عن بروز قيادات كاريزمية لا تَمتلِك إلا هذه الصفة في سجلِّها النضالي.

أولاهما ترتبط بصفة اجتماعية أسمِّيها: "قابلية للانقياد" عند كثير مِن الناس، على غرار "القابلية للاستعمار" التي تحدَّث عنها مالك بن نبي، والتي تُحوِّل قادتها إلى أبطال من إخضاعٍ لمحاسبة دقيقة في قرارات تلك القيادات ومواقفها، وأثرها في المجتمع، بل وتغضُّ الطرف عن جميع الآثار السلبية التي تسببت فيها، وتلتمس لها الأعذار والمبررات الكثيرة في هذا، على أن هذه القابلية في مجتمعنا العربي ذاتُ امتدادات تاريخية اجتماعية ودينية ترتبط بالقيادة الصوفية الأبوية، وبنظرية المستبدِّ العادل، وبأثر الظروف القاسية والحروب في خلق عقدة البطل الضائع، بما قد يَنتهي أخيرًا بقائد ديكتاتور.

وثانيتهما: قدرة تلك الكاريزما على التأثير في الجماهير واجتذابهم والاحتفاظ بولائهم، بما يمكنها من تشويه بعض الحقائق وتزوير التاريخ والحاضر والمستقبل، دونما رقيب أو حسيب، والتاريخ يَذكر أمثلةً كثيرة عن قادة أمثال هتلر وموسليني انحرفوا بشعوبهم عن الحقِّ والعدل إلى الطغيان والظلم، وجرُّوهم إلى استعمار الشعوب واحتلال البلدان وقهْر المغلوبين، وعن قادة آخَرين ضلَّلوا شعوبهم بإنجازات بُنيت على قصور من الخيال والأوهام، فانتهى بهم المطاف مُنفصِمين عن واقع جماهيرهم وآلامهم، وهاتان الإشكاليتان تفرضان مسؤولية تاريخية فردية على القادة ذوي الكاريزما في أي قرار يتخذونه، وما قد يجر ذلك من آثار في المجتمع.

من المؤكد أهمية الكاريزما في القائد، ولكن شتان بين كاريزما الجاذبية، وكاريزما الفعالية، وهي الكاريزما التي تأتي حصيلة خبرات طويلة، ومواقف نضاليَّة، وسجلات نظيفة، وجهود مُتواصلة، وتاريخ مشرِّف، إنها هي القيادة التي تبحث عنها الشعوب العربية الطامحة إلى النهضة والتطوُّر، القيادة التي تتخذ قرارات مصيريَّة مبنية على رأي عام مجتمعي حقيقي، وتتميَّز بكفاءتها وسيرتها وتاريخها، لا بقدراتها الكاريزمية فحسب، وهذا يوجب ضربًا آخر من المسؤولية الجماعية على الشعوب، باختيار قادةٍ ذوي مشاريعَ وبرامج ورؤى واضحةٍ في خدمة المجتمع، والإدلاء بأصواتهم لمَن تحقق فيهم القدرَةُ على ذلك.

وأخشى أن أقول: إن الكاريزما بإشكالياتها السابقة، قد تُعدُّ ضربًا من الصفات التي تُحرِّف الأنظار، وتشوِّش الرؤية، وتُضيِّع جهود المؤسسات، وتقف حائلاً دون تكافؤ الفرص، وتكريم ذوي الكفاءات، وهي على أهميَّتها ليست مؤهِّلاً كافيًا لأي منصب قياديٍّ سُلطوي؛ وإنما هي مؤهِّل مساندٌ ذو حدَّين، يخدم جميع أنواع القيادات؛ الإيجابية والسلبية معًا.

رابط الموضوع في ألوكة: http://www.alukah.net/Culture/0/49952/#ixzz2JZOi2gt2

1/12/2013

رسالة من حلب: هواجس الشارع الأدبي

رسالة من حلب: هواجس الشارع الأدبي


بخطوات وئيدة حذرة، ترافقت مع انحسار شعاع شمس يوم طويل على مدينة حلب، قَفَل أديبُنا عائداً إلى منزله في إحدى المناطق التي توصف بأنها آمنة، واختلطت أمامه ظلال المباني المتطاولة على الشارع الخاوي، مع أصوات الطبيعة الساكنة، وأشياء لم يعتد عليها سمعه ولا بصره. كان من المفترض أن يحضر سهرة شعرية في أحد مراكز الشعر المهمة في مدينة حلب، وأن يقدِّم تعقيباً على قصيدة من شاعرٍ أحب تفاؤله الذي يكسو به شعره، وتقريراً عن النشاط الفكري والأدبي في مدينة لا تزال تتباهى بأنها كانت يوماً عاصمة الثقافة الإسلامية لسنة 2006م.
تداخلت الصور بذهنه، وعيناه ترقبان الطريق المقفر، وقفز خياله إلى زحام تلك الجادة، وكثرة المارة فيها، ثم انعقدت المقارنات بطريقة لا إرادية في خياله بين ذلك الاعتذار المكتوب بخطٍ بدائي على باب المركز الثقافي عن تلك الندوة، والأسباب معروفة، وبين الحراك الفكري في السابق، والندوات الأدبية، والمحاضرات الثقافية التي كانت تموج بها الصالونات الأدبية في الجامعة والمراكز الثقافية ومسرح الوزارة الناشئ، وأيضاً في المكتبة الوقفية التي جُدِّدت وحُمِّلت آمالاً رائقة في ربط الحاضر بالماضي، ووصل التراث بالواقع.
كان يأمل دائماً أن تزداد الحركة الفكرية والشعرية في مجتمعه الحلبي، وأن يأخذ الأدباء والمفكرون منزلتهم اللائقة، ولكنَّه القدر المحتم الذي يربط النشاط الثقافي والأدبي والعلمي بالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي على الأرض، ولعلّه كان يرغب بحضوره تلك السهرة الشعرية، أن ينقطع قليلاً عن أخبار الألم والمعاناة، ويرتحل بعيداً مع نبضات شاعره المحبوب، إلى فضاء فسيح حيث لامكان ولازمان، ولكنه حرم من هذا أيضاً.
والواقع إن بعضاً من روَّاد النشاط الفكري والشعري الاجتماعي في حلب قد دخلوا في مرحلة من الجمود والسبات الشتوي، فتوقفوا عن الكتابة والنشر، في حين أجهد آخرون أنفسهم في محاولة الاستمرار على وتيرة عطائهم السابقة، رغم صعوبة العيش وندرة أساسيات الحياة. وإن أشد ما أثَّر في الحراك الثقافي والنشاط الأدبي هو الانقسام الطارئ على المجمع الحلبي، وهو الذي تعشق الاستقرار والبهجة لأكثر من ثلاثة عقودٍ متواليةً، فكان من نتيجة ذلك أن آثر قسم واسع منهم الصمت والانكفاء على الذات مبتعداً عن مناخ رآه منافياً للإبداع الفني والشعري، واستمر آخرون في كتاباتهم الأدبية والشعرية، يقتنصون ما يتحصل لديهم من فرص اجتماعية ووسائل شعبية ليحافظوا على اطلالتهم وعطائهم ومنزلتهم، ولئن تراجع حضور الصحيفة والإذاعة والمنتدى والملتقى وغيرها من الوسائل المعروفة في المدينة، فإن الأدباء وجدوا في صفحات المدونات والمواقع الاجتماعية ملجأ ومتنفساً طيباً.
على أن السمة الأهم لعطاء الشعراء في السنة الماضية تحديداً، أن عادت النفوس إلى أصول نشأتها الاجتماعية والدينية، واطمأنت إلى موروثها الغيبي والفكري، فاتجهت إلى قصيدة الابتهال والدعاء بكشف الأزمات والملمات، وسلّمت بالقضاء والقدر، واحتفظت بشعاع الأمل في كشف الغمة. وبرز ذلك جلياً في القصيدة العمودية، وقصيدة التفعيلة معاً. إلا أن كُتَّاب الشعر العمودي الكلاسيكي، فتميزوا بالمباشرة والصراحة والوضوح في إبراز المعاني في أعمالهم، خلافاً لشعراء التفعيلة الذين وجدوا في الإيحاء والتورية وسائل أخرى في التعبير.
ويمثّل لذلك شاعر حلبي كان قد تسلم إدارة المجلة الأدبية في جامعة حلب، هو الأستاذ حسام الدين دويدري، وقد امتطى صهوة جواد الشعر العمودي بمطالعه القوية، وألفاظه الرخيمة، وسبكه المتين، فحرَّك القلوب بمعاني مباشرة واضحة، تجلت في حب الله، والتصبر والتجلد، والرضا بالقدر، فقال:
الكُلُّ يَفنَى ويبقى الواحدُ الأحدُ فهلْ عَسَاكَ بدربِ العيش تَتَّئِدُ
وتجعلُ الحُبَّ غَرْسَاً واعداً بيدٍ تُجزي العطاءَ فيرضى الله والوَلَدُ
وليت تدرك أنّ المُبْتَلَى قدرٌ يَقضي الصمودَ، وفيه الصبرُ والجَلَدُ
والعيشَ في زمنٍ الله قدّرهُ ونحن فيه خيوط النَسجِ تَتَّحِدُ
وتابع في ذات المعاني، خشوعاً وتضرُّعاً للذات الإلهية، يرجو حفظاً لأناس تداعت عليهم المحن والإحن، ويدعو رفعاً لبلاء ألمَّ بالبلاد والعباد، فقال:
يا رب صن بهدى الإسلام عزتنا أطفئ بنورك ما في الخلق قد وَقَدوا
وارفع عذابك عن شعبٍ أتى تعِباً يدعوك يا خير من مُدَّت إليه يَدُ
وأما شعراء التفعيلة، فتوسعوا في الاعتماد على الرموز والتوريات، وتعمقت في قصائدهم الصور المبهمة والطلاسم أحياناً، ولجؤوا إلى معاني الضياع والتشتت، لتعكس مشاعر الألم العميق والخوف من قادم الأيام. فقال شاعرنا:
ردّي إليَّ حقائبي
ودَعي مواويلَ العِتابْ
ما عدتُ أذكر كيف تاهت في الصدى سفن الخطاب
إني أضعتُ مراكبي
و أضعتُ أيّامَ الشبابْ
و نسيتُ أحلامي بعيداً
بين أوراق الحسابْ
كذلك استخدم في مقطوعة أخرى الرموز والأساطير والأسماء العالمية، لكي يوصل معاني التوتر والتوجُّس والقهر والمصابرة إلى قارئه، فقال:
قلّبتُ أوراقي
رأيتُ الحبلَ مبتوراً... كجَدِّي
فحزمتُ أمري
واحتملتُ الصبرَ سيفاً صارماً
وكتبتُ عهدي... ومضيتُ…
في وهمي انتصارٌ " دونكِشوتيّ " التصدّي
هل كنتُ أبني في رمال الشاطئ السحريّ مهدي ؟!...
وأراد من قوله: دونكِشوتيّ" الإشارة إلى: "دون كيشوت" أو "دون كيخوته"، وهو معرَّب عن الاسم الإسباني: (Don Quixote)، وهو بطل الروائي الإسباني "ميغيل دي سرفانتس سافيدرا". والذي يرمز به إلى مثالية تتطلع الى العدل والخير والحق والجمال.
كما حاول الشاعر برموزه وسياقاته الغزلية أن يسكب أملاً على ألم، وأن يعكس حسرات على سويعات قضاها في حلم جميل وأمل قريب، فخاطب معشوقته مرتجفاً متخوفاً:
هل تذكرين …؟!
غداة كنّا كالفَراش نجوب آفاق الرَغدْ
و نصطلي نار الجسدْ
و نشرب الكأسَ المليئة بالوعودِ
و بالرحيقْ
كيف اعترتنا نبضةٌ تجتاح أسوار الزمانْ
كيف انتشينا ساعةً
في سكرة الخمرِ العتيقْ
يوم انصهرنا في وعاء الصمتِ
و نسينا الطريقْ
وأما قصيدة النثر، فتكرست فيها الفوضى، وانتشر اللاانتظام في كتاباتها، وازداد كتابها إغراقاً في استخدام المفاتيح الشعرية، بطريقةٍ غير مفهومة، بما يتجاوز ديدنهم المعتاد في كتاباتهم.
وعلى أي حال، فإنه في ظل هذه الظروف التي عاشتها وتعيشها مدينة حلب، فقد تراجع الاهتمام بالأدب والشعر حتى من رواد المنابر الشعرية، وفرسان الكلمة والقلم، وذلك على حساب الاهتمام بأساسيات الحياة وضروريات المعيشة، وعدُّوا ذلك رفاهيةً تقف بوجهها صخور الواقع، فتوقفت حلب إثر ذلك عن العمل والإبداع ريثما ينبثق في الأفق أمل جديد، وكأنها قد استجازت الدهر والتاريخ أياماً عصيبة تمرُّ بها، علَّه يعفيها لبرهة سانحة من واجبها تجاه ما عودته من فنون وآداب، عسى أن تسترد عافيتها قريباً، وتعود غرَّاء نيرة كما كانت.

مقالي في إيلاف:
http://www.elaph.com/Web/Culture/2013/1/785530.html

1/02/2013

لا تقيد نفسك


لقد عرضوا عليه ملك بلاد العرب

لقد عرضوا عليه ملك بلاد العرب


نعم، عرض المشركون القرشيون على النبي أن ينصبوه ملكاً على العرب قاطبة، مقابل أن يتوقف عن دعوته بين الناس الضعفاء.
وقد يظن المتسرعون أنه لو قبل بذلك، لكانت قفزة نوعية في تاريخ الدعوة، بأن يتمكن من السلطان، ثم يفرض دينه على العرب.
ولكنه رفض، وأصرّ على دعوته الحسنى...

لأنه أراد أن ينتشر الإسلام بالمنطق والفكرة والاقتناع، لا بالفرض والإكراه
وأن يبني المجتمع من قاعدة الهرم إلى قمته، وليس العكس كما يريد كثير من المتسرعين اليوم.
وأراد أن يستغرق في عمله ودعوته، ويراقب بعين قريرة نموه وتطوره، وفي هذا من المتعة ما يشبه متعة الأم وهي تراقب حبو وليدها، وخطواته وترنحاته الأولى، وهي أجمل بكثير من الحصول عليه بقفزة وحيدة.

هلّا تمعنا في ذلك.. واعتذر عن الاطالة، وأدعو لقراءة ثانية للنص!
(دعوة لإعادة النظر)

الفردوس المفقود

الفردوس المفقود

الفردوس المفقود

في مثل هذا اليوم 2/كانون الأول/1492م، ولكن قبل 521 عاماً، سقطت آخر معاقل العرب المسلمين في الأندلس.
سقطت... وقد أغرق الناس فيها بالترف، وركنوا إلى الملذات والخنوع والدعة والميوعة.


وقد انتشرت الصراعات فيما بين الأمراء من الأسرة الواحدة، وتكررت خياناتهم واستعانتهم بأعدائهم ضد بعضهم.
فحق فيهم قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال/46].


وكانت نتيجة هذا الفشل: الهزيمة والخذلان والتهجير.
ومن ثم بمحاكم التفتيش وما رافقها من أهوال تشيب لها الولدان، تحت غطاء قانون كنسي، نصه: "أنه لما كان الله قد اختارهما لتطهير مملكة غرناطة من الكفرة، فإنه يحظر وجود المسلمين فيها، ويعاقب المخالفون بالموت أو مصادرة الأموال".
استمر هذا القانون أربعة قرون إلى أن ألغاه نابليون سنة 1808م.


التاريخ عبرة... وسننه وقوانينه تتكرر... ويا لخذلان من أخل بقراءة هذه السنن، فضاع وضيَّع من معه.