12/07/2014

تبسيط مباحث المنطق: الصناعات الخمس وملاحظات عامة

تبسيط مباحث المنطق


 الجزء الثالث: الصناعات الخمس في المنطق، وملاحظات عامة


 أولاً: الصناعات الخمس:

يقصد بالصناعات الخمس، الوسائل المستخدمة في البرهنة على شيء ما، وهي خمس وسائل عند المناطقة.
ويأتي هذا المبحث في الترتيب المنطقي في آخر المباحث، بعد انتهاء مباحث التصورات والتصديقات، وبعد تمكن القارئ من أنواع الدلالات والعلاقات وأنواع القضايا والقياس.
والصناعات الخمس أو الأقيسة الخمسة هي: البرهان، الجدل، الخطابة، الشعر، المغالطة.
وأساس التمييز بينها هو نوع المقدمة الأولى في القياس، كما سيأتي.

أولاً: البرهان:

وهو قياس مؤلف من مقدمات يقينية، لإنتاج اليقينيات.
وتعريف اليقين عند المناطقة أنه الحكم الذي يعتقده القائل اعتقاداً جازماً مطابقاً للواقع، لا يتغير ولا يزول. وهو بهذا التعريف يكتسب معنى شخصياً موضوعياً.
أنواع اليقين:
وهو ستة أنواع:
أولاً الأوليات، أو البدهِيات: القضايا التي يصدق به العقل بفطرته وغريزته: الكل أكبر من الجزء.
ثانياً: المشاهدات: يصدق بها العقل عن طريق الحواس، كالشمس مشرقة الآن. لون الثوب أبيض.
ثالثاً: المجربات، وهي التي يصدق بها العقل لتكرار الإحساس بها، كالخمر مسكر، والسم قاتل.
رابعاً: حدسيات: يصدق بها العقل لارتباطها بمحسوسات أخرى يصدق بها العقل دون نظر، كقولك: مستوى الماء في الآبار مرتبط بمستوى الماء في الأنهار.
خامساً: المتواترات: يصدق بها العقل لاستنادها للنقل عن جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب، كقولهم مكة موجودة، والدولة العثمانية كانت موجودة.
سادساً: أمور قياساتها معا، وهي الأحكام التي يصدق بها العقل لاستنادها إلى أدلة لا تغيب عن الذهن، كقولهم: الأربعة زوج، ودليله قبوله القسمة على متساويين.

ثانياً: الجدل:

وهو قياس مركب من مقدمات مشهورة أو مسلمة عند الخصمين.
كقولهم العدل حسن والظلم قبيح.
وتختلف هذه المشهورات باختلاف الأمم وعاداتها وثقافاتها وأعرافها.
ويدرج في هذه المسلمات قواعد أصول الفقه، والحساب والهندسة، إذا احتاج إليها أحدهم في الاستدلال، وأخذها على أنها مسلمات.

ثالثاً: الخطابة:

وهي قياس مؤلف من مقدمات مقبولة لأنها صادرة عن شخص له منزلة خاصة، أو مؤلف من مقدمات مظنونة.
كالجمل الصادرة عن الأولياء والصالحين.
والمظنونات التي ترد على ألسنة الوعاظ في الترغيب والترهيب.

رابعاً: الشعر:

وهو قياس مؤلف من مقدمات مقبولة أو متخيلة، تنبسط معها النفس أو تنقبض.
أي أنه من أنواع الأدلة العاطفية غير المستندة إلى البرهان أو الجدل.
ككلام الشعراء، وكلام المجاملة، وكلام التعزية للمريض أو أهل الميت.

خامساً: المغالطة:

وهو القياس المؤلف من مقدمات كاذبة شبيهة بالحق، أو مقدمات وهمية.
كقولك: هذا التمثال فرس، وكل فرس صاهل. فهذا شبيه بالحق.
أو وهمية كإحجام الناس عن الصدقات خوفاً من قلة الزاد ونقص الأموال.

والعمدة في إنتاج العلم اليقيني هو البرهان فحسب، لأنه قائم على أدلة ومقدمات يقينية، خلافاً لما يأتي بعده فهو من الأدلة الظنية.
ولكن أثر الأدلة الأخرى لا يقل أهمية عن البراهين، لأن معظم الناس تتأثر بالأدلة الجدلية والشعرية تأثراً عظيماً يقوم اعوجاجها، أو يردها أسفل سافلين.

ثانياً: ملاحظات عامة:

الفرق بين الكل والكلي والجزء والجزئي:

الكلي والجزئي مثل إنسان و محمد وخالد، فالكلي ينطبق على كل أفراده، ولو أطلقت حكماً على الكلي انطبق على جميع جزئياته.
أما الكل والجزء، فهو مثل بيت وأجزاؤه من سقف وجدران وأبواب، فالأحكام التي تطلق على البيوت لا تعم أجزاءها.
وبعبارة أخرى، فإن الكل هو ما تركب من جزأين فأكثر، والجزء: ما تركب منه ومن غيره كل.
وإن الكلي هو ما لا يمنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه. والجزئي ما كان معناه لا يقبل في الذهن الاشتراك.

الفرق بين العرض والخاصة:

بعد الكلام عن الجنس والنوع والفصل، وهي من الكليات، يأتي الكلام عن العرض والخاصة، والفرق بينهما في هذا المثال:
الإنسان حيوان ناطق قابل للعلم والتعلم، ماشٍ آكلٍ شارب.
فالصفات الخاصة بالإنسان وحده هي الخاصة، كالنطق وتعلم العلم والكتابة.
والصفات الخارجة عن ماهية الإنسان ولا تختص به فقط، كالماشي والآكل والشارب، فهي مشتركة بين الإنسان وغيره من الانواع، فهي عرض.

الفرق بين المفهوم والماصدق:

المفهوم هو المعنى الذهني الذي يثيره اللفظ في الذهن، كتصورك لنهر الفرات في ذهنك عقب نطقك باسمه.
والماصدق، فهو الفرد أو الأفراد ذاتها التي ينطبق عليها اللفظ. وعليه يكون نهر الفرات ذاته هو الماصدق لهذه الكلمة.

أنواع النسب بين المعاني:

الأولى: التباين: وهي النسب بين معنى ومعنى آخر مخالف له في المفهوم والماصدق. كإنسان وفرس، وذكر وأنثى.

الثانية: المساواة، وهي النسبة بين معنى ومعنى آخر مخالف له في المفهوم ومتحدان في الماصدق، كضاحك بالقوة، وناطق بالقوة: فماصدقهما واحد.

الثالث: العموم والخصوص المطلق، النسبة بينهما تكون من جهة أحدهما ينطبق على كل ما ينطبق عليه الآخر من أفراد، ومن جهة ثانية ينطبق الثاني على بعض أفراد الأول. كدائرة كبرى وفيها دائرة صغرى، كحيوان وإنسان، وماشي وغزال. تداخل واحتواء.

الرابع: العموم والخصوص من وجه، بحيث يكون انطباق اللفظين على بعض الأفراد التي ينطبق عليها الآخر. كدائرتين متلاقيتين في قوس صغير، كحيوان وأبيض يلتقيان في الحيوان الأبيض.

الخامس: التواطؤ: وهي نسبة المعنى الكلي إلى جميع أفراده بشكل متوافق ومتساوٍ غير متفاوت. كالصدق، وصفات الإنسانية في إنسان. فإن وصفت إحدى الجزئيات بهذه الصفة، فهي تتحقق فيها بشكل تام، لا يختلف عن تحققها في أفراد أخرى.

السادس: التشكيك وهي عكس سابقتها، بحيث تكون نسبة المعنى إلى أفراده متفاوتة. فالنور متفاوت بين الشمس والقمر والكبريت، والبياض متفاوت بين الثلج والقطن والعاج وغيره.

السابع: الترادف، وهي نسبة لفظ إلى لفظ من جهة دلالة كل منهما على معنى واحد يشتركان في الدلالة عليه، كإنسان وبشر، وليث وأسد وقسورة.

الثامن: الاشتراك: نسبة معنى إلى معنى من جهة اشتراكهما بلفظ واحد يدل عليهما. فالعين موضوعة لمعان كثرة كالشمس والذهب والجاسوس والباصرة والماء.

التاسع: التخالف: نسبة معنى ومعنى آخر يمكن اجتماعهما وارتفاعهما عن شيءٍ ما، مع اتحاد الزمان والمكان. كالطول والبياض.

العاشر: التضاد، نسبة بين معنيين من جهة عدم إمكان اجتماعهما، ولكن مع إمكان رفعهما. كالبياض والسواد أو الخضار أو الحمرة.

الحادي عشر: التناقض: نسبة بين معنيين لا يصح اجتماعهما ولا ارتفاعهما، فهما متعاندان، كالوجود والعدم.

شروط التعريف:

1.   أن يكون مساوياً تماماً للمفرد الذي نشرحه.
·         وهذا خلافاً للتعريف بالأعم: كتعريف الإنسان بأنه حيوان.
·         والتعريف بالأخص: كتعريف الحيوان، بأنه جسم متحرك ناطق.
2.   وأن يكون بلفظ جامع مانع، يشمل كل أفراده، ولا يسمح بدخول شيء من خارج أفراده.
3.   وأن يكون أجلى وأوضح من اللفظ الأصلي، فتعريف الأسد بأنه الغضنفر ليس مناسباً.

الحدود والرسوم، وأنواع التعاريف:

الحدود والرسوم، فأما الحدود فهي التي تشتمل على الذاتيات، ويكون شرح المفرد التصوري بها. كالجنس والنوع والفصل.
وأما الرسوم فلا تشتمل على ذلك بل على الخاص والعرض. وله تفصيل:
·         الحد التام: ما كان معرفا للشيء بذكر تمام ذاتياته، بجنسه القريب وفصله القريب. كتعريف الانسان بأنه حيوان ناطق.
·     الحد الناقص ما كان معرفاً للشيء بجنسه البعيد وفصه القريب، أو بالفصل القريب فقط، كتعريف الإنسان بالناطق.
·         الرسم التام: ما كان معرفا للشيء بجنسه القريب وخاصته اللازمة، الحيوان جسم نام آكل.
·    الرسم الناقص: التعريف بذكر الخاصة اللازمة الشاملة وحدها، مع الجنس البعيد أو العرض العام. كتعريف الانسان جسم ضاحك. وأنه ماش على قدميه عريض الأظفار ضحاك الطبع.

وأما التعريف فله أنواع، منها: التعريف اللفظي: أي بالمرادف: كتعريف القسورة بالأسد.
التعريف بالمثال: كتعريف الماضي بأمثال: فعل ضرب سافر أكل شرب.

جهتا الحمل في القضايا

وهما الآتيتان:
بالضرورة، وهي الجهة العقلية، كقولك: بالضرورة العدد فرد وزوج، ولا يتصور غير ذلك، وتكون الجهة العقلية ايجابية وسلبية، كلا إله إلا الله.
بالإمكان: وهي الجهة التي تأتي من العادة ومن نظام الكون، فمثلاً يقول: ممكن أن تحرق النار جميع الأشياء القابلة للاحتراق.

مستويات المعرفة:

1.   العلم: إدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع.
2.   اليقين: جزم المدرك أن إدراكه مطابق للواقع بالدليل والبرهان.
3.   الاعتقاد أو الإيمان: جزم المدرك أن إدراكه مطابق للواقع لا بالدليل والبرهان.
4.   ودون اليقين يقع الظن، وهو على مستويات أيضاً:
a.     الظن المشهور: وهو ما لا يخطر على العقل نقيضه، كقضايا العدل والأخلاق.
b.     الشك: وهو الظن الذي تتساوى فيه الأدلة والاحتمالات.
c.      الظن المرجوح: وهو ما قابل الراجح المشهور، فهو الوهم.
5.   وتحته يقع الباطل، وهو الجزم بأن المدرك مخالف للواقع.

موارد المعرفة:

الإدراك الحسي المادي بالحواس الإنسانية.
الإدراك بالتسامع والتواتر من نقول الآخرين.
الإدراك العقلي، وما يستنبطه العقل من الموردين السابقين.

الاستقراء:

وهو تتبع الجزئيات كلها للوصول إلى حكم عام يجمعها، أي أنه انتقال الفكر من الحكم على الجزئي إلى الحكم على الكلي.
وهو نوعان استقراء تام يستوعب جميع الجزئيات أو الأجزاء، واستقراء ناقص ليس كذلك.
وله عدة شروط وعوامل تمنع عنه الخطأ والانحراف.
والتمثيل عند المناطقة هو القياس عند الأصوليين، وقياس الغائب على الحاضر عند المتكلمين.

المقولات العشر:

وهي: الجوهر، الكم، الكيف، الأين، المتى، الوضع، المِلك، الإضافة، أن يفعل، أن ينعفل.
·         فالجواهر تندرج تحت المقولة الأولى، وأما الأعراض فتندرج تحت المقولات التسع.
·         فالوضع: هو حال الجسم بحسب نسبة اجزائه لبعضها، فهذا إنسان قائم، وهذا جالس، وذاك مستلقٍ.
·         والملك: هو حال الجسم بحسب تعرضه لجسم آخر. فالجلد يحيط بالإنسان، والخاتم يحيط بالاصبع، والنعل بالقدم، والثوب بالجسد.
·         الاضافة: كالطول مقابل للقصر، والابوة تقابل البنوة.
·         أن يفعل وينعفل: كون الشيء مؤثراً أو متأثراً.
تطبيق المقولات العشر على الماء:
ذاته جوهره ماء، كمه ليتراً، كونه سائلا حاراً كيفه، مخلوقاً ذا صفات خاصة إضافته، في الإبريق أينه، الآن زمانه، إناؤه مائل وضعه، إناؤه مسور بسوار فضي ملكه، يروي شاربه فعله، شاربه يرتوي انفعاله.

الأكوان الأربعة:

تشترك الأعراض بصفات مشتركة بين الأحياء وغريهم، وهي الحركة والسكون، أو الاجتماع والافتراق.
والمراد بالاجتماع أن يكون لدرجة أن لا يمكن أن يتخللهما ثالث، وهذا قليل في الحياة فأغالب ما في الدنيا متقارب فحسب.

الهَيُولَى والصورة:

الهيولى هي المادة أو الجوهر، متجردة من أي صورة جسمانية، وهي تقبل التشكل والتخيل بالصور الجسمانية.
ومقابله الصورة: وهو الشكل الذي تكون عليه المادة، فمثلاً ذائب الشمع إذا تصورناه بدون شكل، هو أقرب للهيولى، ولكنه عندما يصب بقوالب معينة يتخذ أشكالها وصورتها.

قواعد أساسية في المعرفة:

·         عدم الوجدان، لا يعني عدم الوجود.
·         التلازم بين الشيئين قد يكون من طرفيهما وقد يكون من طرف واحد، فإن انتفى الليل كان النهار والعكس صحيح، وكذلك إن فُتح المصباح كان هناك ضوء، ولكن إن أغلق المصباح ليس بالضرورة أن يكون هناك ظلام، لاحتمال المصدر الضوئي الثاني.
·         نفي الأعم يستلزم نفي الأخص، ولكن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، وإثبات الأعم لا يستلزم إثبات الأخص، ولكن إثبات الأخص يستلزم إثبات الأعم.
·         العلم يتبع المعلوم، وليس المعلوم يتبع العلم، واعرف الرجال بالحق، ولا تعرف الحق بالرجال.

من قواعد المناظرة:

·         ألا يكون الدليل الذي يقدمه المناظر ترديداً لأصل الدعوى، فاستدلالك على قولك بقولك هو أمر ساقط بداهة، وقد يخفى على الخصم إن استخدم المناظر براعته في تغيير الألفاظ وزخرفها.
·         التسليم بقدر مشترك من المسلمات الأولى، يتفق عليها المتناظران، فأما إنكار المسلمات فهو مكابرة ومماراة قبيحة، ولا تصل بأحد إلى الحق.

أخطاء المناظِر في المناظرة:

1.   المصادرة: بجعل نتيجة الدليل نفس مقدمته مع تغيير في اللفظ يوهم التغاير.
2.   الغصب: وهو بمحاولة الاستدلال على بطلان قول الخصم قبل أن يترك له فرصة بإقامة الدليل عليها.
3.   المجادلة لا لإظهار الحق بل لمجرد الانتصار على الخصم، وهي الجدال بغير التي هي أحسن.
4.   المكابرة: لا لإظهار الحق والانتصار على الخصم، بل لإظهار الفضل. وأهم أمثلتها عدم التسليم بالبدهيات إن نطق بها الخصم.
5.   المعاندة: المنازعة بين شخصين لا يفهم أحدهما كلام الآخر، ويعلم من نفسه الفساد.
6.   الجواب الجدلي بغرض إفحام الخصم، ولكن يذكره المجيب وهو معتقد ببطلانه.

للاطلاع على الجزء الأول اضغط هنا
للاطلاع على الجزء الثاني اضغط هنا

11/29/2014

تبسيط مباحث المنطق: ثانياً التصديقات



تبسيط مباحث المنطق


 الجزء الثاني: مباحث التصديقات

أولاً تعريف القضايا:

القضايا أو التصديقات هي الجملة الخبرية في علم البلاغة، وهي التي يصح تصديق قائلها أو تكذيبه. خلافاً للإنشاء الذي لا يقبل التصديق والتكذيب بذاته، كقولك السماء صافية، فهي قضية، ولا تشتغل بالملهيات فهذا إنشاء.
والبدهيات هي من القضايا، كقولك الواحد نصف الاثنين، لأنها تقبل التصديق بذاتها، وجاءها من المؤيدات والشواهد ما ينفي عنها احتمال الكذب.

ثانياً: أنواع القضايا الحملية والشرطية

القضايا الحملية: كقولك أحمد طالب، فهي مسند ومسند إليه، أي موضوع وهو أحمد، ومحمول وهو طالب. والمعنى حملنا المحمول وهو المسند، على الموضوع وهو المحمول عليه والمسند عليه.
القضايا الشرطية المتصلة: إن كان الفجر طالعاً فقد حان وقت صلاة الفجر. فوقوع الجزء الأول يعني وقوع الجزء الثاني.
القضايا الشرطية المنفصلة: العدد إما زوجاً أو فرداً، والإنسان إما شاكراً أو كفوراً، والناس إما إلى الجنة أو النار. والوصف بهذا لا يحتمل الجمع ولا يحتمل الرفع. كالنقيض.
وفي الشرط: يكون القسم الاول اسمه مقدماً أي الشرط عند النحاة، والثاني تالياً أي الجواب عند النحاة.
والقضايا بأجمعها، إما موجبة كمحمد صائم، أو سالبة كمحمد ليس صائماً.
والمتصلة نوعان: لزومية كما سبق، واتفاقية لا معنى للشرط فيها. كقولك إن كنت تاجراً فأنا طالب علم.
والمنفصلة أنواع: حقيقية: يمتنع فيها الجمع والخلو، أي لا يجتمع طرفاها ولا يفترقان، وتكون في الشرط الذي يتنافا ويتناقض طرفاه، كقولك العدد إما زوج أو فرد. فكل عدد يجب أن يتحقق بإحدى الصفتين، ولا يتصور انتفاؤهما عنه ولا تحققهما فيه. وكقولك هذا إما إنسان أو لا إنسان. وهذا الكتاب إما في المنطق أو ليس في المنطق.
أو مانعة للجمع: كقولك هذا الشيء إما إنسان أو حجر. فلا يصح أن يكون الشيء كلاهما، ولكن يصح أن يكون شيئاً آخر كالشجر. فالشجر أخص من نقيض الإنسان. وكقولك: إما أن تكون من المصلين أو تشتغل بالعلم، فيصح أن تكون نائماً مثلاً.
أو مانعة للخلو: كقولك إما أن تكون طالباً للعلم أو لا تكون طالباً في الأزهر. فيجب اجتماعهما لأنه اذا ارتفعا لكان طالباً في الأزهر وليس طالباً للعلم، فهذا لا يصح. وهي حالة مذكورة للقسمة العقلية فحسب، وليس لها أهمية القسمين السابقين.

 ملاحظة:
يجوز في القضايا المنفصلة ذكر الشيء ونقيضه، أو مساوي نقيضه. فتقول: الكلي إما جنس أو لا جنس. أو تقول: إما جنس أو نوع، وإما جنس أو فصل. فالنوع والفصل هو من أجزاء نقيض الجنس. ويجوز اجتماعها كلها، فتقول: الكلي إما جنس أو نوع أو فصل. فهي لا تجتمع في شيء، ولكنها ترتفع في الخاص والعرض.
وللقضايا تقسيمات أربعة أخرى:
القضية المخصوصة شخصية: زيد كاتب وسالبه: زيد ليس بكاتب.
القضية الكلية المسورة: كل إنسان كاتب، وسالبه: لا أحد أو لا شيء: لا أحد من الناس بكاتب.
قضية جزئية مسورة: بعض الناس كاتب، وسالبه: بعض الناس ليس بكاتب.
قضية مهملة موجبة: يطلق فيها الحكم الكلي، ويكون المراد الأعم الأغلب لا الجميع، فهي بقوة الجزئية المسورة، مثل سيد القوم خادمهم، الإنسان كاتب، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. والمعنى بعض السادة خدم لرعيتهم، وبعض الناس كاتبون. وسالبه: ليس البتة.

ثالثاً: التناقض:

هو اختلاف القضيتين بالإيجاب والسلب. فنقيض إنسان: لا إنسان، ونقيض الحي: لا حي، ونقيض يقظان لا يقظان.
وشرط تحقق التناقض: اتفاق القضيتين في الزمان والمكان، والموضوع والمحمول، والإضافة والقوة والفعل، والجزء والكل، والشرط.
فلا تناقض عند اختلاف:
  • الزمان: زيد نائم ليلاً، ليس بنائم نهاراً.
  • المكان: زيد في السوق، ليس في البيت.
  • الموضوع: زيد كاتب، عمرو ليس بكاتب.
  • المحمول: زيد كاتب، ليس بنائم.
  • الإضافة: زيد أبو عمرو، ليس بأبي بكرٍ.
  • القوة والفعل: المرأة حامل بعد الزواج، ليست بحامل قبل الزواج.
  • الجزء والكل: زيد قرأ بعض الكتاب، ولم يقرأ كل الكتاب.
  • الشرط: زيد يحل له الطعام في غير الصوم، ولا يحل له الطعام في الصيام. 
  • وأيضاً عند اختلاف الحمل، بين الحمل الشائع أي على الأفراد جميعاً، والحمل الأولي وهو تعريف الشيء، فمثلاً قولهم: الفعل لا يخبر عنه، فإنك أخبرت عنه أنه لا يخبر عنه وهذا تناقض، والجواب لا، فإن نوع الحمل قد اختلف، فهو لا يخبر عنه على الحمل الشائع، ويخبر عنه بالحمل الأولي.
 
ملاحظة:
نقائض الكليات الموجبة الكاذبة: كليات سلبية صادقة.
كل الماء حلو، كل الماء ليس بحلو: كلاهما كاذب.
بعض الماء حلو، بعض الماء ليس بحلو: كلاهما صادق.
وعكسه صحيح، فلو أتينا بكليات سلبية لكانت صادقة ولكانت نقائضها كاذبة: بعض الطلاب حنفي، بعض الطلاب ليس بحنفي، نقيضه: كل الطلاب حنفي، ليس بحنفي، وهذه قضية كاذبة.

رابعاً: العكس

العكس هو أن تجعل الموضوع محمولاً والمحمول موضوعاً، دون أن يتغير في القضية إيجابها وسلبها، وكليتها أو جزئيتها، وصدقها خلافاً لكذبها.

وعكس القضية الكلية الموجبة هو القضية ذاتها موجبة جزئية لتصدق، فالكلية لا تنعكس كلية لأنها لن تصدق فهي نقيضتها إذن: فعكس كل العلماء سعداء: بعض العلماء سعداء.

وكذلك الجزئية الموجبة تنعكس جزئية موجبة أيضاً مثل: بعض الحبر أسود، عكسه بعض الأسود حبر، فهي إيجابية جزئية. فإن كان الأصل صادقاً فإن العكس صادق، كما هنا.
ولكن إن كان الأصل كاذباً، فإن عكسه صادق أو كاذب.
فمثلاً: كل الحيوان إنسان: كاذب. عكسه بعض الحيوان إنسان وهو صادق.

وتنعكس الكلية السالبة كلية سالبة أيضاً: لا شيء من الإنسان حجر، لا شيء من الحجر إنسان. فإن صدقت الأولى صدقت الثانية.

وأما الجزئية السالبة فلا تنعكس، لأنها لا تصدق موجبة كلية أو جزئية، كقولك: بعض الحيوان ليس بإنسان، فلا يصح سلب الحيوان عن الإنسان لا كلياً ولا جزئياً.
والخلاصة إذن: أن الموجبة كلية أو جزئية: عكسها جزئية موجبة.
والسالبة الكلية عكسها سالبة كلية.
والسالبة الجزئية لا عكس يصدق عليها.

خامساً: القياس:

هو قول ملفوظ أو معقول، مؤلف من أقوال ومقدمات، متى سلمت، لزم عنها لذاتها قول آخر أي نتيجة.
فيشترط فيه المقدمات السليمة. وارتباطها بقدر مشترك يكون هو النتيجة. ويقصدون بالمقدمات اذا سلمت أي في ذهن القائل، ولا ضرورة أن يكون ذلك في الواقع.
وأما قولك لا شيء من الإنسان بحجر، ولا شيء من الحجر بحيوان، فلا يسمى هذا قياساً.

وهو نوعان:
قياس اقتراني: كل جسم مخلوق، وكل مخلوق حادث، فكل جسم حادث.
وقياس استثنائي: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، ولكن النهار ليس بموجود: فالشمس ليست بطالعة.

أركانه:
وهي تعرف من المثال: كل انسان جسم، سقراط انسان، سقراط جسم.
الحد الأوسط: هو الكلمة المكررة في المقدمتين في القياس الاقتراني، وهي هنا سقراط. وهي تكون أعم من موضوع المطلوب وأخص من المحمول.
الحد الأصغر: هو موضوع المطوب وهو الانسان. لأنه أخص من محموله.
الحد الأكبر هو المحمول وهو الأعم وهو الجسم.
والمقدمة الأولى التي فيها الحد الأصغر هي المقدمة الصغرى، والمقدمة الثانية والتي فيها الحد الأكبر هي المقدمة الكبرى.

أشكاله:
ترتبط أشكال القياس بالحد الأوسط، والذي هو مدار عملية القياس.
الشكل الأول: أن يكون الحد الأوسط موضوعاً في الجملة الكبرى، ومحمولاً في الجملة الصغرى. مثل: كل مسجد وقف، وكل وقف يحرم بيعه، فكل مسجد يحرم بيعه. فالحد الأوسط هو الوقف، كان محمولاً في الجملة الأولى الصغرى، وموضوعاً في الجملة الثانية الكبرى.

الشكل الثاني: أن يكون محمولاً في الجملتين: مثل كل ما بين السرة والركبة عورة، ولا يحل النظر إلى العورة، فلا يحل النظر إلى ما بين السرة والركبة. فالعورة وهي الحد الأوسط، ظهرت محمولاً في كلا الطرفين.

الشكل الثالث: أن يكون موضوعاً في الجملتين: كل سارق خائن، كل سارق تقطع يده، فبعض الخائن تقطع يده.

الشكل الرابع: أن يكون الحد الأوسط محمولاً في الجملة الكبرى، وموضوعاً في الجملة الكبرى، مثل كل ما يفسد الصوم هو الأكل عمداً، التنفس ليس بأكل عمد، بعض ما يفسد الصوم ليس بتنفس. فظهر الأكل عمداً موضوعاً في الجملة الأولى، ومحمولاً في الجملة الثانية الكبرى.
والعلاقة بين الأول والرابع علاقة عكسية، بمعنى إذا عكست موضوع ومحمول الأولى، حصلت على الثانية.
والطريق المألوف في استخراج القضايا وقياسها على بعضها هو الشكل الأول، وأما الرابع فأبعدها عن الطبع، لأنه أبعدها عن الأول، فهو معيار العلوم وميزانها، وتكتفي المختصرات في كتب المنطق بشرحه وحده.

وشرطه: إيجاب الصغرى وكلية الكبرى. فيكون الناتج له أربع صور:
الأولى: موجبة كلية مع موجبة كلية، والنتيجة موجبة كلية، مثالها: كل مؤمن محب لله، كل محب لله ملتزم بأوامره، كل مؤمن ملتزم بأوامر الله.
الثانية: موجبة كلية مع سالبة كلية، والنتيجة سالبة كلية: مثالها: كل قصب السكر يحتاج لتسعة أشهر لنموه، لا شيء مما يحتاج إلى تسعة أشهر لنموه يمكن زرعه مرتين في السنة، لا شيء من القصب ممكن زرعة مرتين في السنة.
الثالثة: موجبة جزئية مع موجبة كلية، والنتيجة: موجبة جزئية. بعض المسؤولين مهملون، كل المهملين خائنون، بعض المسؤولين خائنون.
الرابعة: موجبة جزئية، مع سالبة كلية، والنتيجة سالبة جزئية. بعض المسلمين تاركون للصلاة, ليس أحداً من تاركي الصلاة قريب من الله، بعض المسلمين ليس قريباً من الله.

أقسام القياس الاقتراني:
وهي ستة أقسام، أولها القياس المكون من مقدمتين حمليّتين كما سبق.
ثانيها: القياس المركب من متصلتين، كقوله: إن أعرض المسلمون عن التمسك بدينهم غضب الله عليهم، كلما غضب الله على قوم ألبسهم ثوب الذل، فإن أعرض المسلمون عن التمسك بدينهم ألبسهم الله ثوب الذل.
ثالثها: المركب من منفصلتين: من تجاوز الميقات يجب أن يكون محرما بعمرة أو بحج. من كان محرما بحج فإما أن يكون مفرداً أو قارناً، فعليه يكون من تجاوز الميقات محرماً بعمرة أو مفرداً أو قارناً.
رابعها: المركب من متصلة وحملية: كلما كان الأمير محافظا لحقوق رعيته كان مطاعاً في قومه، وكل مطاع في قومه شديد البأس على عدوه، فكلما كان الأمير محافظاً على حقوق رعيته كان شديد البأس على عدوه.
خامساً: المركب من منفصلة وحملية، إما أن تتدين أو تتبع هواك، وكل متبع لهواه لفي ضلال، فإما أن تتدين أو تكون في ضلال.
سادساً: المركب من متصلة ومنفصلة.

أقسام القياس الاستثنائي:
فاستثناء عين الأول، ينتج عين الثاني، فقولك: إن كان هذا إنسان فهو حيوان، ولكن هذا انسان فهو حيوان إذن.
واستثناء نقيض التالي ينتج نقيض المقدم: فقولك: إن كان هذا انساناً فهو حيوان، لكنه ليس بحيوان فلا يكون إنساناً.
ولها تفصيلات أخرى لا يتسع المقام لذكرها.

للاطلاع على الجزء الأول اضغط هنا
للاطلاع على الجزء الثالث اضغط هنا