5/21/2016

موقف الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود من المعوذتين تحرير الخلاف، وفهم المسألة

موقف الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود من المعوذتين
تحرير الخلاف، وفهم المسألة


من المسائل التي تكثر في صفحات المشككين بكتاب الله تعالى، ممن ينكرون تواتر القرآن ويثيرون الشبه في وصول القرآن الكريم بصورته الحالية إلينا من النبي صلى الله عليه وسلم، هي مسألة موقف الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود المتوفى عام 32 للهجرة، والذي جاء فيه أنه أنكر قرآنية المعوذتين، ولم يكتبهما في مصحفه، وأمر بحكهما من مصاحف تلامذته.
فهل يثبت هذا القول والموقف عنه رضي الله عنه، أو أنه محض افتراء عليه؟

ولا أريد هنا أن أعرض لجميع الروايات التي وردت في الموضوع، فهذا تكفلت به كثير من الأبحاث العلمية والكتب المختصة بالموضوع، وإنما غايتي ذكر الخلاصات والنتائج التي وصلت إليها بعد الاطلاع على هذه الروايات.

وهي النتائج الآتية:

أولاً: ⁠⁠⁠صح عن ابن مسعود انه لم يكتب المعوذتين في مصحفه.

ثانياً: وردت عدة أحاديث ضعيفة عنه أنه أمر بحكها ومحوها من مصحفه ومصاحف تلامذته. فمن العلماء من ردَّ هذه الأحاديث لضعفها، ومنهم من قبلها لتواردها على ذات المعنى بحيث تتقوى بمجموعها وتثبت.

ثالثاً: لا يصح عنه أنه قال عن المعوذتين : إنهما من الأدعية، وأنهما ليستا من القرآن الكريم، فذه الروايات لا تثبت عنه بحال.

رابعاً: ولكن فيما يقابل هذه الروايات عن ابن مسعود رضي الله عنه، فقد ثبت أنه أقر ما أجمع عليه الصحابة في عهد أبي بكر على المصحف الذي جُمع في عهده، والذي اشتر باسم مصحف حفصة رضي يالله عنها لبقائه في دارها بعد وفاة والدها عمر بن الخطاب، ومن المتواتر أن في مصحف حفصة قد أثبتت المعوذتين.

خامساً: من المعلوم أن قراءة حفص المشتهرة الآن في الشام والخليج ومصر وغيرها، أنها رواية حفص عن عاصم عن زر بن حبيش عن ابن مسعود رضي الله عنه، وفيها المعوذتان.

سادساً: لم يرد أن أحدا من الصحابة أنكر على ابن مسعود قوله في عدم قرآنية المعوذتين، فهذا يعني أن إنكاره المزعوم لها لا يثبت، وإلا لأنكر عليه قوله هذا جمهور الصحابة، ومعلوم مقدار أهمية هذا الموضوع وحساسيته، ومدى اتصاله بالجيل الأول من المسلمين.

سابعاً: حل الإشكال:
للعلماء في حل الإشكال هذا طريقتان:
الأولى: القول بأن عدم إثباته المعوذتين في مصحفه أنه أمر اجتهادي فردي، قال به لمدة قصيرة بعد وفاة النبي لعدم تيقنه من قرآنية السورتين، ، ثم إنه تراجع عما ذهب إليه، بعد أن أجمع الصحابة على ما جاء في مصحف حفصة. وإلى هذا القول ذهب ابن حجر والزرقاني في مناهل العرفان.

الثانية: إنكار الأحاديث التي جاء فيها رده السورتين من أصولها، وأنها لا تثبت بحال عنه، وإلى هذه القول ذهب القاضي الباقلاني والنووي وابن حزم والرازي، واستدلوا أنه لو ثبت إنكاره لها وهي متواترة لكان حكما بالكفر عليه، وهذا يستحيل عليه.

ثامناً: فخلاصة المسألة: أنه إن ثبت أنه لم يقم الدليل لديه على قرآنية هاتين السورتين، فإن الدليل قام لديه بعد تواترهما إليه وبإجماع الصحابة على إثباتهما في المصحف.
وأما إن لم تثبت تلك الأحاديث، فالأمر سهل إذن، وهو ليس مخالفا لإجماع الأمة.
ولا يصح افتراض استمراره على هذا القول لثبوت إقراره على مصحف أبي بكر، ولكن تنزلاً لو افترضنا ذلك، فهذا لا يطعن بالقرآن لأن الآحاد لا يطعن بالمتواتر، واحتمال الخطأ في الواحد قائم، بخلاف ما اتفق عليه جمهور الأمة وجموعها العظيمة.
والله  الموفق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق