11/23/2014

تبسيط مباحث المنطق: أولاً التصورات



تبسيط مباحث المنطق:

تعريف علم المنطق وموضوعه:

يعرف المنطق فيقال فيه قواعد تعصم العقل من الخطأ. أو قوانين الاستدلال السليم.
فموضوعه القواعد والقوانين، وغايته الاستدلال السليم، عصمة الفكر من الزلل.
وهو من علوم الآلة كالنحو، فليس غاية بذاته، وإنما هو وسيلة تقويم، فالنحو يقوم اللسان، والمنطق يقوم العقل.
وهو علم معياري، يدرس ما يجب أن يكون عليه الفكر السليم، وبه تعرف صحة الرأي من فساده، وأحكامه أحكام وجوب.
ولقد قيل فيه: " أكثر الفطر السليمة تستقل به، والبليد لا ينتفع به، والذكي لا يحتاج إليه" وهذا صحيح، لأنه قواعد عقلية لا يقع فيها العقل الذكي، ولا يتنبه إليها البليد، ولكن معظم الدارسين والقراء يقعون في منزلة بين هاتين المنزلتين، وهم الذين يستفيدون منه إذن.

الأول: مباحث التصورات

أولاً: أنواع العلاقات بين الدال والمدلول، وبين اللفظ والمضمون:

هي ثلاث علاقات: علاقة المطابقة وهي علاقة تامة بينهما، والتضمن وهي علاقة جزئية عموم وخصوص مطلق أو مقيد، والملازمة وهي علاقة تبعية مطردة في جميع الأفراد والمصاديق.
فكلمة إنسان: تطابق الحيوان الناطق (ومعناه عند أرسطو أي يدرك المفاهيم الكلية)، ويتضمنها كلمة حيوان، أو ناطق، فليس كل حيوان إنسان، وليس كل ناطق كذلك، ويلازمها معنى قابلية التعلم والكتابة والقراءة.
وكلمة ميزان تطابق الآلة المعروفة، وتتضمن الكفتين والمنجم بينهما، ويلازمها معنى واسطة العلم بمقادير الأشياء.
ملاحظات:
التضمن نوعان أكبر من الكلمة، وأصغر منها.
المقصود بالدلالات والعلاقات السابقة أصلها وحقيقتها، بعيداً عن المجاز والتشبيه والبلاغة، والدلالات العرفية.
الدلالات الالتزامية لا تكون إلا إذا كانت مطردة في جميع الأفراد، إلا أنها قد تكون بدهية، وقد تكون بحاجة إلى برهان، فمثلاً دلالة الصوت البشري على الإنسان مهما كان الصوت وكانت اللغة، هي دلالة بدهية، وأما دلالة المثلث على أن مجموع زواياه قائمتين، فهي لا تقوم إلا بالبرهان، ولا يؤثر هذه في الدلالة الالتزامية. والدلالة البدهية التي لا تحتاج برهاناً تسمى دلالة بيّنة، وهي نوعان: بين بالمعنى الأعم وبين بالمعنى الأخص، وليس له كبير فائدة.

ثانياً: أنواع الدلالات اللفظية:

دلالة عقلية: تستند إلى مجرد العقل في الإدراك، فمن سمع صوتاً بشرياً أدرك أن مصدره إنسان، وأنه حي، فالعلاقة بين الصوت، وبين الإنسانية والحياة علاقة عقلية.
دلالة طبيعية، اي بذاتها، فلا تحتاج إلى الإدراك العقلي ولا التواضع اللغوي، فقول الإنسان: آه، يعني أنه يتألم، وهي دلالة طبيعية.
دلالة وضعية: وهي دلالة الألفاظ اللغوية، وتختلف بحسب اللغات، كما تواضع عليها الناس.
دلالة فعلية: وهي الدلالات التي تخرج عن الأنواع الثلاثة الماضية، كالمجازات مثلاً، وهي تخرج عن نطاق المنطق كما سبق.
ملاحظة: الدلالة التي تنقسم إلى مطابقة وتضمن والتزام، هي الدلالة الوضعية.

ثالثاً: أنواع العلاقة بين اللفظ وأجزائه والمعنى

اللفظ قد يكون لفظاً مفرداً ليس له أجزاء، كهمزة الاستفهام، وواو العطف.
وقد يكون له أجزاء، لا تدل مفردها على معنى، كمحمد وقلم: ق ل م.
وقد تكون له أجزاء، لها معان قائمة بذاتها، لكنها ليست جزءاً من المعنى الموضوع له: كعبد الله، فعبد له معنى، وكذلك الله، ولكن المراد معنى ثالث عنهما.
وقد تكون له أجزاء، لها معان قائمة بذاتها، وهي جزء من المعنى الموضوع له، لكنها ليست مرادة من هذا الوجه: كقولك الإنسان حيوان عاقل.
وقد تكون له أجزاء، لها معان قائمة بذاتها، ويراد من كل جزء منها، جزءاً من المعنى، فهي الألفاظ المركبة المضافة، كقولك سيارة المدير، وباب الغرفة.
ملاحظة:
النوع الأخير هو المركب الوحيد، وما تبقى فهو من المفردات.
الاختصارات ك: رواه خم: بخاري ومسلم، هي ليست من المفردات بل من المركبات. لأن كل جزء منها وهو الحروف يدل على جزء مستقل من المعنى.
أنواع المركبات في المنطق: مركب وصفي: رجل كامل.
                     ومركب إضافي: وهو نوعان: خبري: كتابي، كلكم راعٍ، وإنشائي: أقم الصلاة، ولا تمش في الأرض مرحاً.

رابعاً: نوعا الألفاظ بحسب المعاني الموضوع لها:

لفظ كلي: يصدق مفهومه على كثيرين: كرجل وإنسان وحيوان.
لفظ جزئي: يمتنع تصور مفهومه على كثيرين: كأسماء الأعلام.
فالشمس لفظ كلي، ينطبق في مجموعتنا على نجم واحد، وكذلك "واجب الوجود" مفهوم كلي يقبل أن يكون له أفراد كثر، ولكن قام الدليل أنه ليس له إلا فرد واحد.
فاللفظ الكلي: يقبل الشركة بذاته، ويقبل انطباقه على كثيرين.
وأما قولك إن محمداً اسماً لذوات كثيرة، فالجواب: إن هذا يكون من باب تعدد الوضع، فهو قد وضع أصلاً لذات واحدة، ووضع أصلاً لذات أخرى وهكذا.
التقسيمان هذان، يختصان بالمعاني لا بالألفاظ.

خامساً: نوعا الكلي:

الكلي نوعان، إما ذاتي أو عرضي:
الكلي الذاتي يكون داخلاً في حقيقة أجزائه: حيوان: انسان وفرس. انسان: زيد وعمرو.
الكلي العرضي: يكون خارجاً عن حقيقة ما يصدق عليه من الجزئيات: إنسان: ضاحك وماشي ومتعقل..
ينقسم الذاتي إلى جنس ونوع وفصل، ويتغير جزئياته بحسب مستوى النظر والتصنيف.
وينقسم العرضي إلى عام وخاص.

سادساً: الجنس والنوع والفصل:

فأما الجنس: فهو الجزء المشترك بين الماهية وماهية أخرى تخالفها، بحيث يكون مرجع الاشتراك لا التميز.
فمثلاً ما هو زيد؟ هو إنسان، وهذه حقيقته ومرجعه المشترك، وأما حيوان فهو ليس مرجعاً مشتركاً بل ينضم إليه ماهية الفرس والأسد. ولا يقال هو ناطق لأنها ليست حقيقته، بل هي مميز له.
فإن قيل ما الإنسان والفرس: فالجواب حيوان لأنه مرجعهما المشترك.
وينقسم الجنس إلى نوعين: قريب وبعيد.
فجواب سؤال: ما الانسان والفرس: حيوان جنس قريب يشملهما. وجواب سؤال: ما الإنسان والحجر: جسم، جنس قريب يشمل ماهيتهما.
وأما قولك عن الانسان والاشجار أو الحيوان: جسم، فهذا جنس بعيد، لأنهم أجسام نامية، فهو ليس تمام الماهية بينهما. فالبعيد يشمل دائرة أوسع من السؤال.
وعليه يكون الجنس نوعان، ينقسم وهو ثلاثة أنواع، ولا ينقسم وهو الفرد.
فالمنقسم: يكون جنساً سافلاً ومتوسطاً وأعلى. وتطبيقه في قولنا على الإنسان: حيوان، جسم نام، جسم.
ويعود تصور الجنس العالي في الدنيا إلى الفيزياء لا النظر، ولعله الجوهر الاول وهو الذرة والنواة و...

وتحت الجنس يقع النوع، والنوع هو لفظ كلي تختلف أفراده في العدد لا في الحقيقة.
ويصح أن يكون جوابك عن : ما هو زيد، وما هو زيد وعمرو: إنسان، إذ النوع ينطبق على الفرد والجمع. وهو تمام الماهية المشتركة لهما.
فالنوع هو الجهة التي تلي الجنس السافل تماماً، فيقال عن الحيوان: إنسان وفرس، وهما أنواع.
ويصح إطلاق النوع على أي جهة تحت الجنس، فما تحت الجنس العالي: أنواع عالية أيضاً: فالجسم: نام وغير نام، وهما نوعان عاليان.
وبذلك ينتهي الجواب عن سؤال ما هو، أي الماهية.

وتحت النوع، يقع الفصل، وسؤاله أي شيءٍ، فهو ليس من ماهية الشيء، بل من مزاياه وخصائصه وفصله عن غيره. فهو من أنواع الصفات والقيود.
فالإنسان: حيوان ناطق، فحيوان هو جنس، ومميزه أنه ناطق، ميزه عن جميع ما يشترك معه في الجنس.
والفصل نوعان قريب وبعيد. فالقريب يفصله عن جميع ما يشترك معه كالناطق، فصله عن الحيوانات وما سواها.
والبعيد يفصله عن بعض ما يشترك معه، كالنامي في الإنسان يشترك في الحيوان والنبات.

سابعاً: العَرَض وأنواعه:

الأعراض: ما لا يدخل الماهية من الأوصاف، وهي نوعان:
أعراض لازمة لا تقبل الانفكاك عن الماهية، كالزوجية صفة للرقم أربعة، والفردية للرقم ثلاثة.
وأعراض مفارقة: تقبل الانفكاك عن الماهية، كالضاحك الشارب النائم الناطق صفاتٍ للإنسان.
والأعراض تكون بالفعل وبالقوة، فمن تحقق فيه الضحك من البشر: هو ضاحك بالفعل، ومن لم يكن ضاحكاً في ذلك الوقت ولكنه امتلك القابلية والقدرة، فهو ضاحك بالقوة.
والأعراض قد تكون مخصوصة بماهية واحدة، وهي الأعراض الخاصة كالضاحك الناطق للإنسان.
وقد تكون عامة لأكثر من ماهية، كالمتنفس، صفات للإنسان والحيوان والنبات. وما سبق من صفات كلها صفات بالقوة لا بالفعل فيما يخص الإنسان، لأنه يستطيع حبس ضحكه ونطقه وتنفسه.

ثامناً: القول الشارح أو الحد والتعريف:

لكي يتمكن الإنسان من شرح ماهية مجهولة، عليه أن يبحث عن أجزائها وخصائصها، ثم يؤلف من ذلك قولاً شارحاً.
والحد هو ما تضمن جنس الشيء وفصله، وهو نوعان:
الحد التام وهو الذي يتضمن الجنس والفصل القريب: كالإنسان حيوان ناطق.
والحد الناقص: وهو الذي يتضمن الجنس البعيد والفصل القريب، كالإنسان جسم ناطق ضاحك ماشٍ.
وكذلك يميزون بين الرسم التام والرسم الناقص:
فالرسم التام، هو الذي يأتي بالجنس القريب مع العرض الذي يميزه عن غيره: فالإنسان: حيوان ناطق.
والرسم الناقص: هو الذي لا يأتي بالجنس القريب، بل يأتي بالأعراض التي يختص مجموعها بحقيقة واحدة، لا أفرادها. فالإنسان: هو النامي الضاحك المتكلم العاقل.



للاطلاع على الجزء الثاني اضغط هنا
للاطلاع على الجزء الثالث اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق