7/03/2016

عدالة الصحابة الكرام على هامش احدى المناظرات التي تناولت هذا الموضوع

عدالة الصحابة الكرام
على هامش احدى المناظرات التي تناولت هذا الموضوع

من المؤكد أن الصحابة قد زُكوا في الجملة بنص القرآن الكريم. "والذين معه أشداء على الكفار" وسواها. وإن التزكية هذه تعم الصحابة في الجملة وتعم الأفراد بذواتهم لأنها وردت بصيغ العموم التي تستغرق أفرادها. وعليه يكون إخراج أحد الذين انطبق عليهم وصف التزكية ممكناً بالتخصيص الذي يطرأ على العموم، ومن أمثلته المرتدون والمنافقون.

ولكن من هو الصحابي الذي يكتسب وصف التزكية الثابت للجميع؟ 
عندنا وجهتا نظر في الجواب على السؤال، الأولى وهو المشتهرة عند علماء الحديث وهو من رأى النبي مؤمنا مميزا ومات على ذلك ولم تخالط تلك الفترة الزمنة ردة، وعليه يكون جميع من رأى النبي في الغزوات وفي السفر وفي حجة والوداع وحرب هوازن وما بعدها هم من الصحابة الثابتة لهم التزكية. الثانية وهي المشتهرة عند الأصوليين أن الصحابي هو من رأى النبي وخالطه واستقى من معين هديه لزمن ليس بالقصير، وعليه يخرج من اجتمع بالنبي لمرة واحدة كخطبة الوداع من دائرة الصحابي. هكذا يعرض الموضوع عادة، ويتخير الباحثون أحد الطرفين للترجيح في شروط الوصف.

ولكن الإشكال في الموضوع أنه لم يتم تحرير محل النزاع في المسألة، فالمحدثون يتحدثون في شرطهم هذا عن الصحابي الذي تقبل روايته، والأصوليون يتحدثون في شرطهم هذا عن الصحابي الذي يكون قوله حجة ومذهبا فقهيا معتمدا، فيما سموه مذهب الصحابي، والمسألتان مختلفتان، ومن البدهي أن شروط كل منهما صحيحة في موضعه، فلا اختلاف إذن في الاكتفاء باللقاء بالنبي لإثبات الصحبة  ومن ثم إثبات العدالة في التحمل و الرواية كما رأى المحدثون، وهذا بابهم أصلاً، ولا داعي للتأكيد بأن مجرد رؤية النبي وما تحتويه من تأثر كبير بهيبته وبجنابه وبروحه النبوية الصادقة وأن ذلك حصل في زمن تشدد فيه الصحابة في الرواية وكانوا يتتبعون بعضهم وينتقدون روايات بعضهم وينخلونها، فإن ذلك ينفي احتمال تعمد الكذب على النبي ومرور ذلك على الصحابة الكرام دون بيان.

ويرد استشكال أن الآية تتحدث عن تزكية روحية لعموم الصحابة وهذا مختلف عن موضع الإشكال و هو العدالة في التحمل والأداء، والجواب لا، ليس مختلفا أبدا لأن العدالة التي يقصدها المحدثون على التحقيق هي نفي احتمال الكذب على النبي، وهذا متحقق بالتزكية المذكورة في القرآن الكريم.

وبعد إثبات عدالة الصحابة ونفي احتمال الكذب على النبي عنهم، يبقى احتمال خطأ الصحابي في تحمل الحديث وفهمه وروايته، فهذا غير منفي عنهم، وهنا تأتي باقي قواعد علم الحديث في عرض الأحاديث على بعضها وما إلى ذلك في كشف الشذوذ والعلل. والصحابة قاموا بأنفسهم بهذا الأمر المهم، وناقشوا بعضهم ورد بعضهم على بعض، لا من جهة العدالة والكذب بل من جهة الدفة في الحفظ والفهم.
التابعين

ولكي تتحول المناقشة النظرية إلى مسائل عملية، فهناك خطتان ضروريتان:
الأولى فيما يخص مسألة العدالة واحتمال الكذب: لا بد من حصر جميع الأحاديث التي وردتنا عن الصحابة الصغار إن صحت التسمية ممن جرى الخلاف حولهم /وليكن الحد زمانياً بمن أسلم بعد الفتح وأيضا من لم يثبت لقاؤه بالنبي وهو مميز، أو اعتباريا بمن التقى بالنبي مرة واحدة فقط/، ثم تخرج جميع الأحاديث التي لها وجوه أخرى عن صحابة آخرين مرفوعة أو موقوفة لا مرسلة لاحتمال ان تكون عن الصحابي الصغير نفسه، وبذلك نعرف نسبة هذه الأحاديث من السنة المطهرة، ثم دراسة كل حديث من هذه الأحاديث على أنه حالة مستقلة بنفسه، فيعرف مدى اتساقه مع شواهده المؤكدة له في المعنى أو تعارضه مع السنن الأخرى، ثم تأثير هذه الأحاديث في الفقه الإسلامي بدراسة من أخذ بهذه الأحاديث من الفقهاء ومن ردها منهم. وبذلك تكون نتيجة البحث عملية.

والثانية فيما يخص مسألة الخطأ في الحفظ أو الفهم، لا بد من جمع ردود الصحابة على بعضهم واستدراكاتهم على روايات بعضهم وأشهرها استدراكات عائشة على أبي هريرة وغير ذلك، ومناقشتها علميا بترجيح أي الفهمين أصوب فليس كل مستدرك معه الحق.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تلك المسألتين معاً مما بحث فيه المتقدمون وما زالت تبحث إلى الآن، والله الموفق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق