9/02/2015

المَجَاز في اللُّغة العربية أولاً: المجاز العَقلي



المَجَاز في اللُّغة العربية
بينَ المجاز العَقلي والمجاز المُرسَل



أولاً: المجازُ العقليّ:
قَالَ عبدُ القاهِرِ الجرجانيّ: "هَذَا الضَّربُ مِنَ المَجَازِ عَلَى حدَّتِهِ، كَنْزٌ مِنْ كنُوزِ البَلاغَةِ، ومادةُ الشَّاعر المفلقِ، والكاتبِ البَليغِ فِي الإبداعِ والإحسَانِ والاتِّساعِ فِي طَريقِ البَيَانِ".
وأصل استعمال المَجَاز العقلي، أنه يُستعمل فيه اللفظ فيما وُضع له، ولكن يُسند فيه الفعل لغير فاعله، فموضعه في الإسناد لا في اللفظ.
ولِهَذَا النَّوعِ مِنَ المَجَازِ علاقاتٌ وأنواع مختلفةٌ تظهر مِنْ خِلَالِ الأمثِلَةِ الآتيةِ:

1- علاقة السببية:
كقوله سبحانَهُ حِكَايَةً عَنْ فِرعَونَ: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ﴾. فالفعلُ "ابنِ" أسنِدَ إلَى غيرِ فاعِلِهِ الحقيقيّ، فإنَّ هَامَانَ - وهُوَ الوزيرُ والمستشارُ - لَا يَقومُ بِفعلِ البِنَاءِ بنفسِهِ، وإنَّمَا مَنْ يَقُومُ بالفعلِ هُمُ العمَّالُ والبنَّاؤونَ، ولكنه سبب البناء لأنه هُوَ مَنْ يُعطِي الأَمرَ.
وكقولك: أهلك الظلم الأمم. فهو سبب هلاكها.
وقولك: طبع المؤلف الكتاب، فهو سبب الطباعة وليس فاعلها.

2- علاقة الزمانية:
كقول الشَّاعِرُ:
سَتُبدي لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلاً
فلَا يُمكنُ للأيَّامِ أنْ تُبدِيَ وتُظهِرَ، وإنَّمَا هِيَ زمانٌ لِحُصولِ الإبْدَاءِ والإظهار.
وكقوله تعالى: "كَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً". فاليوم لا يجعل الولدان شيباً، وإنما هو الظرف الزماني لهذا التَّغيُّر.
وكقولك: "نهارُ الزَّاهِدِ صائمٌ وليلُهُ قائِمٌ"، فإنَّ الصَّومَ أُسنِدَ إلَى النَّهارِ، والنّهارُ لَا يصومُ، وإنَّمَا هُوَ زمانٌ للصِّيامِ، وأُسنِدَ القِيَامُ إلَى الَّليلِ، والَّليلُ لَا يَقُومُ.
وكقولهم: ضرسهم الزمان وطحنتهم الأيام. أي التجارب والناس. وهذا ظرفه.

3- علاقة المكانية:
كقول الشاعر:
فلمَّا مَلَكْتُمْ سالَ بالدَّمِ أبْطَحُ
لَقَدْ أُسْنِدَ سَيَلانُ الدمِ إلَى أبطحَ، وهو مكانُ سَيَلانِ الدَّمِ ولكنه هُوَ لَا يَسِيلُ، وإنَّمَا يَسِيلُ مَا فيهِ وهُوَ الدَّمُ.
ومنه قولك: ازدحمت شوارع القاهرة .
وقولك: احتفلت مدينتنا بفوز فريقها، فالفاعل في كلتا الجملتين إنما هو ظرف مكاني له.

4- علاقة المصدرية:
كقولك: الله جل جلالُه، أسندتَ الجلال إلى الجلال، وهو ليس بفاعله بل هو الله، ولكنه مصدر جلَّ، فحذفت الفاعل الحقيقي، وأبقيت المصدر.
وكقول أبي فِراسٍ الحَمْدَانِيّ:
سَيَذكُرُني قَومي إِذا جَدَّ جِدُّهُم            وَفي اللَيلَةِ الظَّلماءِ يُفتَقَدُ البَدرُ
فقد أسندَ الجِدَّ إلى الجِدِّ، أي الاجتهادِ، وهو ليسَ بفاعلِ له، بل فاعلُه الجادُّ - فأصله جدَّ الجادُّ جدًّا، أي اجتهدَ اجتهاداً، فحذفَ الفاعلَ الأصليَّ وهو الجادُّ، وأسندَ الفعلَ إلى الجِدِّ وهو مصدرُ الفاعلِ الحقيقيّ.
ومنه قولك: جد جِدك وكد كِدك.

5- علاقة الفاعلية:
كقول الله - تَعَالَى-: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا﴾. والحِجَابُ فِي أَصلِهِ سَاتِرٌ، وليسَ مَستُوراً.
ومثلُه أيضاً الآيةِ المبارَكَةِ في قولُه - تَعَالَى-: ﴿إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا﴾ أي آتياً على صيغة الفاعل.

6- علاقة المفعولية:
في قوله تعالى-: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا﴾. والحرمُ لَا يكونُ آمِنَاً، لأنَّ الإحسَاسَ بالأمنِ مِنْ صفاتِ الأحياءِ، وإنَّمَا هُوَ مأمونٌ فيه.
ومنه قول الحطيئة:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها وأقعد فإنك أنت الطاعم الكاسيُ
أي المطعوم المكسي.
وقولك: منزل عامر بالخيرات، أي معمور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق