12/07/2014

تبسيط مباحث المنطق: الصناعات الخمس وملاحظات عامة

تبسيط مباحث المنطق


 الجزء الثالث: الصناعات الخمس في المنطق، وملاحظات عامة


 أولاً: الصناعات الخمس:

يقصد بالصناعات الخمس، الوسائل المستخدمة في البرهنة على شيء ما، وهي خمس وسائل عند المناطقة.
ويأتي هذا المبحث في الترتيب المنطقي في آخر المباحث، بعد انتهاء مباحث التصورات والتصديقات، وبعد تمكن القارئ من أنواع الدلالات والعلاقات وأنواع القضايا والقياس.
والصناعات الخمس أو الأقيسة الخمسة هي: البرهان، الجدل، الخطابة، الشعر، المغالطة.
وأساس التمييز بينها هو نوع المقدمة الأولى في القياس، كما سيأتي.

أولاً: البرهان:

وهو قياس مؤلف من مقدمات يقينية، لإنتاج اليقينيات.
وتعريف اليقين عند المناطقة أنه الحكم الذي يعتقده القائل اعتقاداً جازماً مطابقاً للواقع، لا يتغير ولا يزول. وهو بهذا التعريف يكتسب معنى شخصياً موضوعياً.
أنواع اليقين:
وهو ستة أنواع:
أولاً الأوليات، أو البدهِيات: القضايا التي يصدق به العقل بفطرته وغريزته: الكل أكبر من الجزء.
ثانياً: المشاهدات: يصدق بها العقل عن طريق الحواس، كالشمس مشرقة الآن. لون الثوب أبيض.
ثالثاً: المجربات، وهي التي يصدق بها العقل لتكرار الإحساس بها، كالخمر مسكر، والسم قاتل.
رابعاً: حدسيات: يصدق بها العقل لارتباطها بمحسوسات أخرى يصدق بها العقل دون نظر، كقولك: مستوى الماء في الآبار مرتبط بمستوى الماء في الأنهار.
خامساً: المتواترات: يصدق بها العقل لاستنادها للنقل عن جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب، كقولهم مكة موجودة، والدولة العثمانية كانت موجودة.
سادساً: أمور قياساتها معا، وهي الأحكام التي يصدق بها العقل لاستنادها إلى أدلة لا تغيب عن الذهن، كقولهم: الأربعة زوج، ودليله قبوله القسمة على متساويين.

ثانياً: الجدل:

وهو قياس مركب من مقدمات مشهورة أو مسلمة عند الخصمين.
كقولهم العدل حسن والظلم قبيح.
وتختلف هذه المشهورات باختلاف الأمم وعاداتها وثقافاتها وأعرافها.
ويدرج في هذه المسلمات قواعد أصول الفقه، والحساب والهندسة، إذا احتاج إليها أحدهم في الاستدلال، وأخذها على أنها مسلمات.

ثالثاً: الخطابة:

وهي قياس مؤلف من مقدمات مقبولة لأنها صادرة عن شخص له منزلة خاصة، أو مؤلف من مقدمات مظنونة.
كالجمل الصادرة عن الأولياء والصالحين.
والمظنونات التي ترد على ألسنة الوعاظ في الترغيب والترهيب.

رابعاً: الشعر:

وهو قياس مؤلف من مقدمات مقبولة أو متخيلة، تنبسط معها النفس أو تنقبض.
أي أنه من أنواع الأدلة العاطفية غير المستندة إلى البرهان أو الجدل.
ككلام الشعراء، وكلام المجاملة، وكلام التعزية للمريض أو أهل الميت.

خامساً: المغالطة:

وهو القياس المؤلف من مقدمات كاذبة شبيهة بالحق، أو مقدمات وهمية.
كقولك: هذا التمثال فرس، وكل فرس صاهل. فهذا شبيه بالحق.
أو وهمية كإحجام الناس عن الصدقات خوفاً من قلة الزاد ونقص الأموال.

والعمدة في إنتاج العلم اليقيني هو البرهان فحسب، لأنه قائم على أدلة ومقدمات يقينية، خلافاً لما يأتي بعده فهو من الأدلة الظنية.
ولكن أثر الأدلة الأخرى لا يقل أهمية عن البراهين، لأن معظم الناس تتأثر بالأدلة الجدلية والشعرية تأثراً عظيماً يقوم اعوجاجها، أو يردها أسفل سافلين.

ثانياً: ملاحظات عامة:

الفرق بين الكل والكلي والجزء والجزئي:

الكلي والجزئي مثل إنسان و محمد وخالد، فالكلي ينطبق على كل أفراده، ولو أطلقت حكماً على الكلي انطبق على جميع جزئياته.
أما الكل والجزء، فهو مثل بيت وأجزاؤه من سقف وجدران وأبواب، فالأحكام التي تطلق على البيوت لا تعم أجزاءها.
وبعبارة أخرى، فإن الكل هو ما تركب من جزأين فأكثر، والجزء: ما تركب منه ومن غيره كل.
وإن الكلي هو ما لا يمنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه. والجزئي ما كان معناه لا يقبل في الذهن الاشتراك.

الفرق بين العرض والخاصة:

بعد الكلام عن الجنس والنوع والفصل، وهي من الكليات، يأتي الكلام عن العرض والخاصة، والفرق بينهما في هذا المثال:
الإنسان حيوان ناطق قابل للعلم والتعلم، ماشٍ آكلٍ شارب.
فالصفات الخاصة بالإنسان وحده هي الخاصة، كالنطق وتعلم العلم والكتابة.
والصفات الخارجة عن ماهية الإنسان ولا تختص به فقط، كالماشي والآكل والشارب، فهي مشتركة بين الإنسان وغيره من الانواع، فهي عرض.

الفرق بين المفهوم والماصدق:

المفهوم هو المعنى الذهني الذي يثيره اللفظ في الذهن، كتصورك لنهر الفرات في ذهنك عقب نطقك باسمه.
والماصدق، فهو الفرد أو الأفراد ذاتها التي ينطبق عليها اللفظ. وعليه يكون نهر الفرات ذاته هو الماصدق لهذه الكلمة.

أنواع النسب بين المعاني:

الأولى: التباين: وهي النسب بين معنى ومعنى آخر مخالف له في المفهوم والماصدق. كإنسان وفرس، وذكر وأنثى.

الثانية: المساواة، وهي النسبة بين معنى ومعنى آخر مخالف له في المفهوم ومتحدان في الماصدق، كضاحك بالقوة، وناطق بالقوة: فماصدقهما واحد.

الثالث: العموم والخصوص المطلق، النسبة بينهما تكون من جهة أحدهما ينطبق على كل ما ينطبق عليه الآخر من أفراد، ومن جهة ثانية ينطبق الثاني على بعض أفراد الأول. كدائرة كبرى وفيها دائرة صغرى، كحيوان وإنسان، وماشي وغزال. تداخل واحتواء.

الرابع: العموم والخصوص من وجه، بحيث يكون انطباق اللفظين على بعض الأفراد التي ينطبق عليها الآخر. كدائرتين متلاقيتين في قوس صغير، كحيوان وأبيض يلتقيان في الحيوان الأبيض.

الخامس: التواطؤ: وهي نسبة المعنى الكلي إلى جميع أفراده بشكل متوافق ومتساوٍ غير متفاوت. كالصدق، وصفات الإنسانية في إنسان. فإن وصفت إحدى الجزئيات بهذه الصفة، فهي تتحقق فيها بشكل تام، لا يختلف عن تحققها في أفراد أخرى.

السادس: التشكيك وهي عكس سابقتها، بحيث تكون نسبة المعنى إلى أفراده متفاوتة. فالنور متفاوت بين الشمس والقمر والكبريت، والبياض متفاوت بين الثلج والقطن والعاج وغيره.

السابع: الترادف، وهي نسبة لفظ إلى لفظ من جهة دلالة كل منهما على معنى واحد يشتركان في الدلالة عليه، كإنسان وبشر، وليث وأسد وقسورة.

الثامن: الاشتراك: نسبة معنى إلى معنى من جهة اشتراكهما بلفظ واحد يدل عليهما. فالعين موضوعة لمعان كثرة كالشمس والذهب والجاسوس والباصرة والماء.

التاسع: التخالف: نسبة معنى ومعنى آخر يمكن اجتماعهما وارتفاعهما عن شيءٍ ما، مع اتحاد الزمان والمكان. كالطول والبياض.

العاشر: التضاد، نسبة بين معنيين من جهة عدم إمكان اجتماعهما، ولكن مع إمكان رفعهما. كالبياض والسواد أو الخضار أو الحمرة.

الحادي عشر: التناقض: نسبة بين معنيين لا يصح اجتماعهما ولا ارتفاعهما، فهما متعاندان، كالوجود والعدم.

شروط التعريف:

1.   أن يكون مساوياً تماماً للمفرد الذي نشرحه.
·         وهذا خلافاً للتعريف بالأعم: كتعريف الإنسان بأنه حيوان.
·         والتعريف بالأخص: كتعريف الحيوان، بأنه جسم متحرك ناطق.
2.   وأن يكون بلفظ جامع مانع، يشمل كل أفراده، ولا يسمح بدخول شيء من خارج أفراده.
3.   وأن يكون أجلى وأوضح من اللفظ الأصلي، فتعريف الأسد بأنه الغضنفر ليس مناسباً.

الحدود والرسوم، وأنواع التعاريف:

الحدود والرسوم، فأما الحدود فهي التي تشتمل على الذاتيات، ويكون شرح المفرد التصوري بها. كالجنس والنوع والفصل.
وأما الرسوم فلا تشتمل على ذلك بل على الخاص والعرض. وله تفصيل:
·         الحد التام: ما كان معرفا للشيء بذكر تمام ذاتياته، بجنسه القريب وفصله القريب. كتعريف الانسان بأنه حيوان ناطق.
·     الحد الناقص ما كان معرفاً للشيء بجنسه البعيد وفصه القريب، أو بالفصل القريب فقط، كتعريف الإنسان بالناطق.
·         الرسم التام: ما كان معرفا للشيء بجنسه القريب وخاصته اللازمة، الحيوان جسم نام آكل.
·    الرسم الناقص: التعريف بذكر الخاصة اللازمة الشاملة وحدها، مع الجنس البعيد أو العرض العام. كتعريف الانسان جسم ضاحك. وأنه ماش على قدميه عريض الأظفار ضحاك الطبع.

وأما التعريف فله أنواع، منها: التعريف اللفظي: أي بالمرادف: كتعريف القسورة بالأسد.
التعريف بالمثال: كتعريف الماضي بأمثال: فعل ضرب سافر أكل شرب.

جهتا الحمل في القضايا

وهما الآتيتان:
بالضرورة، وهي الجهة العقلية، كقولك: بالضرورة العدد فرد وزوج، ولا يتصور غير ذلك، وتكون الجهة العقلية ايجابية وسلبية، كلا إله إلا الله.
بالإمكان: وهي الجهة التي تأتي من العادة ومن نظام الكون، فمثلاً يقول: ممكن أن تحرق النار جميع الأشياء القابلة للاحتراق.

مستويات المعرفة:

1.   العلم: إدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع.
2.   اليقين: جزم المدرك أن إدراكه مطابق للواقع بالدليل والبرهان.
3.   الاعتقاد أو الإيمان: جزم المدرك أن إدراكه مطابق للواقع لا بالدليل والبرهان.
4.   ودون اليقين يقع الظن، وهو على مستويات أيضاً:
a.     الظن المشهور: وهو ما لا يخطر على العقل نقيضه، كقضايا العدل والأخلاق.
b.     الشك: وهو الظن الذي تتساوى فيه الأدلة والاحتمالات.
c.      الظن المرجوح: وهو ما قابل الراجح المشهور، فهو الوهم.
5.   وتحته يقع الباطل، وهو الجزم بأن المدرك مخالف للواقع.

موارد المعرفة:

الإدراك الحسي المادي بالحواس الإنسانية.
الإدراك بالتسامع والتواتر من نقول الآخرين.
الإدراك العقلي، وما يستنبطه العقل من الموردين السابقين.

الاستقراء:

وهو تتبع الجزئيات كلها للوصول إلى حكم عام يجمعها، أي أنه انتقال الفكر من الحكم على الجزئي إلى الحكم على الكلي.
وهو نوعان استقراء تام يستوعب جميع الجزئيات أو الأجزاء، واستقراء ناقص ليس كذلك.
وله عدة شروط وعوامل تمنع عنه الخطأ والانحراف.
والتمثيل عند المناطقة هو القياس عند الأصوليين، وقياس الغائب على الحاضر عند المتكلمين.

المقولات العشر:

وهي: الجوهر، الكم، الكيف، الأين، المتى، الوضع، المِلك، الإضافة، أن يفعل، أن ينعفل.
·         فالجواهر تندرج تحت المقولة الأولى، وأما الأعراض فتندرج تحت المقولات التسع.
·         فالوضع: هو حال الجسم بحسب نسبة اجزائه لبعضها، فهذا إنسان قائم، وهذا جالس، وذاك مستلقٍ.
·         والملك: هو حال الجسم بحسب تعرضه لجسم آخر. فالجلد يحيط بالإنسان، والخاتم يحيط بالاصبع، والنعل بالقدم، والثوب بالجسد.
·         الاضافة: كالطول مقابل للقصر، والابوة تقابل البنوة.
·         أن يفعل وينعفل: كون الشيء مؤثراً أو متأثراً.
تطبيق المقولات العشر على الماء:
ذاته جوهره ماء، كمه ليتراً، كونه سائلا حاراً كيفه، مخلوقاً ذا صفات خاصة إضافته، في الإبريق أينه، الآن زمانه، إناؤه مائل وضعه، إناؤه مسور بسوار فضي ملكه، يروي شاربه فعله، شاربه يرتوي انفعاله.

الأكوان الأربعة:

تشترك الأعراض بصفات مشتركة بين الأحياء وغريهم، وهي الحركة والسكون، أو الاجتماع والافتراق.
والمراد بالاجتماع أن يكون لدرجة أن لا يمكن أن يتخللهما ثالث، وهذا قليل في الحياة فأغالب ما في الدنيا متقارب فحسب.

الهَيُولَى والصورة:

الهيولى هي المادة أو الجوهر، متجردة من أي صورة جسمانية، وهي تقبل التشكل والتخيل بالصور الجسمانية.
ومقابله الصورة: وهو الشكل الذي تكون عليه المادة، فمثلاً ذائب الشمع إذا تصورناه بدون شكل، هو أقرب للهيولى، ولكنه عندما يصب بقوالب معينة يتخذ أشكالها وصورتها.

قواعد أساسية في المعرفة:

·         عدم الوجدان، لا يعني عدم الوجود.
·         التلازم بين الشيئين قد يكون من طرفيهما وقد يكون من طرف واحد، فإن انتفى الليل كان النهار والعكس صحيح، وكذلك إن فُتح المصباح كان هناك ضوء، ولكن إن أغلق المصباح ليس بالضرورة أن يكون هناك ظلام، لاحتمال المصدر الضوئي الثاني.
·         نفي الأعم يستلزم نفي الأخص، ولكن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، وإثبات الأعم لا يستلزم إثبات الأخص، ولكن إثبات الأخص يستلزم إثبات الأعم.
·         العلم يتبع المعلوم، وليس المعلوم يتبع العلم، واعرف الرجال بالحق، ولا تعرف الحق بالرجال.

من قواعد المناظرة:

·         ألا يكون الدليل الذي يقدمه المناظر ترديداً لأصل الدعوى، فاستدلالك على قولك بقولك هو أمر ساقط بداهة، وقد يخفى على الخصم إن استخدم المناظر براعته في تغيير الألفاظ وزخرفها.
·         التسليم بقدر مشترك من المسلمات الأولى، يتفق عليها المتناظران، فأما إنكار المسلمات فهو مكابرة ومماراة قبيحة، ولا تصل بأحد إلى الحق.

أخطاء المناظِر في المناظرة:

1.   المصادرة: بجعل نتيجة الدليل نفس مقدمته مع تغيير في اللفظ يوهم التغاير.
2.   الغصب: وهو بمحاولة الاستدلال على بطلان قول الخصم قبل أن يترك له فرصة بإقامة الدليل عليها.
3.   المجادلة لا لإظهار الحق بل لمجرد الانتصار على الخصم، وهي الجدال بغير التي هي أحسن.
4.   المكابرة: لا لإظهار الحق والانتصار على الخصم، بل لإظهار الفضل. وأهم أمثلتها عدم التسليم بالبدهيات إن نطق بها الخصم.
5.   المعاندة: المنازعة بين شخصين لا يفهم أحدهما كلام الآخر، ويعلم من نفسه الفساد.
6.   الجواب الجدلي بغرض إفحام الخصم، ولكن يذكره المجيب وهو معتقد ببطلانه.

للاطلاع على الجزء الأول اضغط هنا
للاطلاع على الجزء الثاني اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق