12/17/2012

قليلا من الحكمة والتواضع !


قليلا من الحكمة والتواضع !

تأملت كثيراً في أنواع السلوك القاتل للأفراد والمجتمعات، وجمعتها في نسق متواصل بلغ عدداً لا بأس به من الصفات، وكان لافتاً أن من أهم هذه الأمور، هي الغرور بالنفس، والعظمة والأبهة والعجرفة التي تعقب المنجزات والانتصارات، فتغطي العيون بغشاء الجهل والعبثية، وتتضخم الأنا بحيث لا تقبل نصحاً ولا عتاباً، ويغيب التخوف بما يخفيه المستقبل وما تحمله سنن دوران الدول والأيام.

وتذكرت مشهد (فتح مكة) والنبي عليه ا
لصلاة والسلام (يقتحمها) مطأطئ الرأس، حسير النظر، خاشع الفؤاد. يأبى أن تقنص لحظةُ الفتح شيئاً من أخلاقه، أو تأتي لفتة عجب على جزء من تواضعه، أو يهدم بعنفوان الموقف ما قد يخالف بعد نظره فيما يخص نشر الدعوة.

ثم تراءى أمامي نصاً لأديب ألماني (جورج صاند)، توقف كثيرا عند خلل عميق أصاب قومه، في لحظة تاريخية من عمر ألمانية، أعمى فيها الانتصار عيون قادتها، فألحقوا بفرنسة المنهزمة الجزية والعار آنذلك، فقال: "ألمانية المسكينة!! إن قدح النقمة الأزلية قد حق عليك، كما حق علينا، لقد أثملك الانتصار، وصارت تبكيك روح الحكمة وتعد رثائك".
وكأنه كان يتنبأ بما ستفعله فرنسة بألمانية بعد خمسين عاماً، عندما أملت عليها فرنسة معاهدة فرساي القاسية. والتي لم أجبرت ألمانية على الاستسلام التام والخضوع غير المشروط، لدرجة أنهم ما غادروها إلى أن فككوا جميع معاملهم العسكرية والصناعية الاقتصادية، وتركوها قاعاً صفصفاً!!

نعم إنها نشوة النصر وسكرته، التي تغلق مداخل العقل والحكمة.
وأقول في هذه اللحظة والمنعطف التاريخي الذي تمر خلاله أمتنا من مشرقها لمغربها:
قليلاً من التواضع، قليلاً من الحكمة، قليلاً من التأني والروية، وكثيراً من التعاون والتآلف والمحبة وصفاء النفوس!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق