الإمَامُ الشَّاطِبِيُّ
وتَحريرُ مذهبِه في السُّنَّة النَّبويَّة الـمُستَقِلَّة
دِراسَةٌ تأصيليَّة تحَليليَّة
(مرفق بأسفل المقال رابط تحميل البحث)
ادعى الشاطبي أن السنة لا يجوز لها أن تخرج عن القرآن الكريم نظراً، وأنها لم تخرج عن القرآن الكريم عملاً، واستدل بأدلة عقلية ونقلية عديدة، ثم توقف عند الجانب التطبيقي لقوله، وأورد فيه أمثلة من السنن المستقلة، ثم راح يعيدها إلى القرآن الكريم، عبر أدوات اجتهد في تحديدها وتوضيحها وبيان كيفية الاستفادة منها. إلا أن قوله هذا قد فسِّر بأكثر من تفسير، تفاوتت في جذبه إلى طرف رد السنن غير المتواترة بإطلاق، أو رد السنن المستقلة كلها، وقال بهذا بعض العلمانيين والقرآنيين من الدراسين، وهناك من قال بأن خلافه مع جمهور العلماء لفظي فحسب، وأن مرد قوله إلى قبول السنن جميعها، وهو قول محقق الموافقات رحمه الله.
فيهدف البحث إلى تحرير قول الشاطبي هذا وتحليله ونقده، لمعرفة صحة أدلته النظرية، ولمعرفة صحة أدواته التطبيقية التي استخدمها في تأكيد قوله، وذلك إنطلاقا من كلامه هو ومنهجه في عرض المسألة بعيدا عن التفسيرات التي أسقطت على قوله أفكارها وخلفياتها المعرفية الخاصة. وقد اختار الباحث في مقاربته المسألة، فصلها عن سياق كتاب الموافقات الذي عرف بالمقاصد بأكثر من أقواله الأخرى، وتحليلها تحليلا داخليا ينطلق من النص نفسه لا من موافق الشاطبي الأخرى أو من السياقات التاريخية الاجتماعية الفكرية التي رافقت إصداره مثل هذا الرأي، وليس هذا الاختيار باختيار مفاضلة بأكثر من اختيار منهجي لكي تتناسب الدراسة مع حجم البحوث المحكمة عادة، وإلا فإن الدراسة الشاملة للنص وما ورائياته تستحق دراسة في كتاب مستقل.
والذي خلص إليه البحث، أن الأدلة النظرية العقلية والنقلية التي أوردها الشاطبي لا تسلم له، ولا تكفي للدلالة على دعواه، إلا أن الأدوات التي استخدمها في رد السنن المستقلة إلى القرآن الكريم كانت دقيقة وصالحة. كما بين البحث بأن منطلق الشاطبي في تمييز منزلة السنة عن مرتبة القرآن، والتأكيد على عودة السنن كلها إلى القرآن الكريم، منطلق أصولي يتناسب ومنهج الحنفية في تناول المصادر التشريعية، بخلاف منهج المتكلمين والشافعية الذين عدوا القرآن والسنة في منزلة واحدة عندما ذكروا بأن الوحي له صورتان: متلو وغير متلو. فالشاطبي في هذه المسألة -وفي مسائل أخرى- يعد الامتداد الفكري/الأصولي للمدرسة الحنفية التي تراجع التأصيل لها وتطويرها بعد القرن الخامس الهجري.